سلط موقع بليتز البنغلاديشي الضوء على أزمة الهجرة في ليبيا، مشيرا إلى ما وصفه بالدور القذر لدول الاتحاد الأوروبي التي لا يعنيها سوى اعتراض المهاجرين وإعادتهم قسرا إلى ليبيا حيث السجن، والتعذيب، والتجويع، والابتزاز.
وتناول الموقع في تقرير له، تفاصيل إحدى عمليات الإنقاذ لقارب متهالك يحمل عشرات المهاجرين في وسط البحر الأبيض المتوسط، يلوحون بجنون، ويصرخون طلبًا للمساعدة، لم يكن أي منهم يرتدي سترة نجاة، كان بقاؤهم على قيد الحياة يعتمد كليًا على الصدفة.
في غضون دقائق، تحرك طاقم الإنقاذ “هيومانيتي 1″، وتم إنزال قوارب النجاة، وانتشال الناس على متنها واحدًا تلو الآخر – بعضهم يضحك في حالة من عدم التصديق، وآخرون يرتجفون من الصدمة، عيونهم خالية من الإدراك من الإرهاق والصدمة.
بالنسبة للناجين، مثلت هذه اللحظة نجاة بأعجوبة من الموت، لو ظلوا ينجرفون دون أن يلاحظهم أحد لبضع ساعات أخرى، لكانوا قد غرقوا، ولو اعترضهم خفر السواحل الليبي، لكان مصيرهم أسوأ بكثير.
التقرير سرد معاناة شاب مصري يبلغ من العمر 18 عامًا، كانت عملية إنقاذه في أواخر نوفمبر تتويجًا لما يقرب من عام من الإخفاقات المتكررة، وسوء المعاملة، والنجاة بأعجوبة من الموت.
كانت هذه محاولته السابعة في عام 2025 وحده لعبور البحر المتوسط من ليبيا إلى أوروبا. في أربع مرات، اعترض خفر السواحل الليبي قواربه. وفي إحدى المرات، اعترضت السلطات التونسية قاربه وسلمته للقوات الليبية – وهي ممارسة شبهتها منظمات حقوق الإنسان بالاتجار بالبشر.
وانتهت كل عملية اعتراض بنفس الطريقة: السجن، والتعذيب، والتجويع، والابتزاز داخل نظام الاحتجاز الليبي الواسع والوحشي.
وتكشف قصة الشاب حقيقة سعت الحكومات الأوروبية جاهدةً لإخفائها: حدود أوروبا لا تنتهي عند سواحلها، بل تمتد عميقًا داخل ليبيا، وتُفرض من خلال العنف والفساد وسوء المعاملة التي يمولها الاتحاد الأوروبي عن علم.
لأكثر من عقد من الزمان، انتهج الاتحاد الأوروبي استراتيجية تُعرف باسم “تأميم” مراقبة الهجرة، أي منع المهاجرين من الوصول إلى الأراضي الأوروبية لتجنب التزامات اللجوء، وقد أصبحت ليبيا محور هذه الاستراتيجية في وسط البحر الأبيض المتوسط.
ومنذ عام 2015، ضخّ الاتحاد الأوروبي ودول أعضاء فيه، ولا سيما إيطاليا، مئات الملايين من اليورو في تعزيز أمن الحدود الليبية. وشمل هذا الدعم زوارق دورية، وبرامج تدريبية، ومعدات اتصالات، وعقود صيانة، ومساعدات مالية مباشرة. وقد زوّدت إيطاليا وحدها ما لا يقل عن 14 زورق دورية.
رسميًا، يهدف هذا إلى “مكافحة التهريب” و”إنقاذ الأرواح في البحر”، أما عمليًا، فقد أدت هذه السياسة إلى نظام يُعطى فيه الأولوية للاعتراض على الإنقاذ، وأصبح ترحيل المهاجرين إلى ليبيا -رغم الأدلة الدامغة على الانتهاكات الممنهجة- إجراءً روتينيًا.
وعندما أوقفت إيطاليا مهمتها للبحث والإنقاذ التي تقودها الدولة عام 2014، مُعللة ذلك بالتكاليف وعدم كفاية دعم الاتحاد الأوروبي، غيّرت بذلك ديناميكيات عبور البحر الأبيض المتوسط تغييرًا جذريًا.
وحاولت سفن الإنقاذ المدنية سدّ النقص، لكن دون موارد حكومية أو دعم سياسي، ومنذ ذلك الحين، لقي أكثر من 22,775 شخصًا حتفهم أو فُقدوا على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط، ما يجعله أحد أخطر ممرات الهجرة في العالم.
بالنسبة للمهاجرين الذين يُعترضون في البحر، لا تُمثّل ليبيا ملاذًا آمنًا، بل متاهة من مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، حيث لا يُعدّ التعذيب استثناءً، بل أسلوبًا للسيطرة.
وعايش الشاب المصري هذا النظام مرارًا وتكرارًا، فكل محاولة عبور فاشلة انتهت بالاحتجاز، ولكل احتجاز ثمن باهظ؛ تراوحت فدية الاحتجاز بين 2,000 و16,000 دينار ليبي، تُدفع فقط عن طريق الأقارب أو الأصدقاء؛ فالدفع يعني الإفراج، أما الفشل فيعني الضرب والتجويع والعمل القسري، أو ما هو أسوأ.
أطول مدة احتُجز فيها الشاب كانت 37 يومًا في مركز احتجاز بئر الغنام بطرابلس، وهناك، كما قال، كان نحو 200 شخص مكتظين في زنزانة واحدة دون أي مساحة للجلوس أو النوم بشكل لائق.
وكانت الحشرات تزحف في كل مكان، وكان الحراس يدخلون في أوقات عشوائية لضرب المحتجزين بالأحزمة أو الخراطيم، أو لسكب الماء عليهم لإبقائهم مستيقظين، وكان الناس ينهارون فوق بعضهم البعض من الجوع والإرهاق. بعضهم احتُجز لأكثر من عام لمجرد أن عائلاتهم لم تكن قادرة على دفع الفدية.
ومركز بئر الغنام سيئة السمعة، يصفه باحثو الهجرة بأنها ثقب أسود – موقع غير مسجل يكاد يخلو من أي رقابة، حيث يمكن أن يختفي الناس تمامًا، وصنفتها وزارة الخارجية الأمريكية على أنه مركز احتجاز للأطفال المهاجرين بشكل تعسفي، واعتبرته الأمم المتحدة رمزًا لنظام الاحتجاز الخارج عن القانون في ليبيا.
وخلصت بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عام 2023 إلى وجود “أسباب معقولة” للاعتقاد بأن المهاجرين في ليبيا يتعرضون لجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي والاستعباد والقتل والاختفاء القسري، وهذه النتائج غير قابلة للطعن، وهي موثقة ومتاحة للعموم.
وتكشف شهادة الشاب المصري أيضًا عن مدى تجذر الفساد في منظومة الهجرة الليبية. فبحسب قوله، غالبًا ما يعمل المهربون علنًا جنبًا إلى جنب مع وحدات الشرطة وخفر السواحل، يرتدي بعضهم زي الشرطة، ويقود آخرون سيارات رسمية، ويحمل الكثيرون أسلحة.
وفي محاولته الأخيرة للعبور، يعتقد الشاب أن السبب الوحيد لعدم اعتراض قاربه هو أن مهربه دفع رشوة لخفر السواحل مقدمًا. وفي محاولات أخرى، بدت عمليات الاعتراض متعمدة، وكأن القوارب تُصادر لا لمنع التهريب، بل لإعادة ملء مراكز الاحتجاز وتمويل عمليات الابتزاز.


