أفادت صحيفة العرب اللندنية بأن التعليم بات الجانب المنسي في الأزمة الليبية، حيث يقف اليوم جيل كامل أمام واقع مهشم: أحلام ضائعة، مهارات مفقودة وفرص عمل تتبخر، لكنه ليس ضحية أبدية بل بطل محتمل ينتظر الفرصة لبناء ليبيا جديدة.

وأوضحت الصحيفة في تقرير لها، أن ليبيا التي تعتمد بشكل شبه كامل على النفط، كان يمكن أن تجعل من التعليم جسرًا نحو اقتصاد متنوع قائم على المعرفة، لكن هذا الجانب ظل منسيًا وسط صخب السياسة وضجيج السلاح، حتى صار التعليم عبئًا بدلًا من أن يكون محركًا للنمو، وهو ما هدد مستقبل الأجيال والاقتصاد معًا.

وأضافت أن ليبيا في عهد العقيد الراحل معمر القذافي، شهدت تحسنًا ملحوظًا في معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة، إذ ارتفعت من 25% قبل 1969 إلى 87%، ووصلت نسبة الحاصلين على شهادات جامعية إلى 25% من السكان.

واسترسل بأن التعليم كان في تلك المرحلة أداة لبناء رأس المال البشري، وساهم في تقليل البطالة وتعزيز الإنتاجية في قطاعات مثل الصحة والزراعة، لكن هذا التقدم ظل هشًا، لأن الاقتصاد الليبي لم يتنوع، وبقي معتمدًا بنسبة 90% على النفط.

وأكد التقرير أنه مع سقوط النظام في 2011، انهارت المنظومة التعليمية، فالفوضى السياسية والاقتتال الداخلي دمّرا البنية التحتية للمدارس والجامعات، وانتشر الفساد الإداري كالنار في الهشيم.

وسيطرت المليشيات المسلحة على مناطق واسعة، فأغلقت المدارس أو حولتها إلى ساحات للعنف، وملايين الطلاب حُرموا من مقاعد الدراسة، وأصبح التعليم في كثير من المناطق مجرد ذكرى.

تقارير اليونسكو والبنك الدولي تؤكد أن عقدًا من النزاعات أدى إلى تدهور حاد في جودة التعليم، مع نقص المعلمين وتراجع معدلات الالتحاق، خاصة في المناطق الريفية.

وانخفض الإنفاق على التعليم بنسبة 40% من الناتج المحلي، فيما ارتفعت البطالة بين الشباب إلى أكثر من 50%، خصوصًا بين خريجي الجامعات الذين وجدوا أنفسهم يحملون شهادات لا قيمة لها في سوق عمل مشلول.

ولا يقتصر تأثير التعليم على الاقتصاد المباشر، بل يمتد إلى الاستقرار الاجتماعي. جيل الشباب، الذي يمثل أكثر من 60% من السكان، يعاني من صدمات نفسية بسبب النزاعات، مما يقلل من إنتاجيته ويزيد من احتمالات انجرافه نحو العنف أو الهجرة.

وتابع التقرير أن التعليم الجيد يمكن أن يكون صمام أمان، يعيد الثقة، ويمنح الشباب بدائل عن السلاح واليأس، مؤكدا أن إعادة بناء التعليم في ليبيا ليست رفاهية، بل ضرورة إذا أردنا إنقاذ البلاد.

وأشار إلى وجود خطوات عاجلة يمكن أن تشكل بداية: إصلاح المناهج لتواكب العصر وتُركز على المهارات الرقمية والريادة والتفكير النقدي بدلًا من الحفظ والتلقين، مكافحة الفساد عبر قوانين صارمة تضمن الشفافية في تخصيص الميزانيات.

ودعا لتحسين أوضاع المعلمين برفع الرواتب وتقديم حوافز لجذب الكفاءات، التحول الرقمي من خلال توفير أجهزة لوحية أو حواسيب للطلاب خاصة في المناطق النائية، وإقامة شراكات دولية مع اليونسكو واليونيسف لإعادة دمج ليبيا في المشهد التعليمي العالمي.

كما أن ربط التعليم بسوق العمل يتطلب تطوير برامج تدريب مهني في الزراعة والصحة والطاقة المتجددة، بما يتناسب مع احتياجات الاقتصاد، إلى جانب إعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية وترميم المدارس المتضررة وضمان بيئة تعليمية آمنة للأطفال.

وأكد أن التعليم في ليبيا الغارقة في أزماتها لم يعد مجرد حق إنساني، بل في صميم الحياة الاقتصادية والاجتماعية. من الكُتّاب البسيط إلى الجامعات الحديثة، ومن الأمل قبل 2011 إلى الانهيار بعده، يظل التعليم المرآة التي تعكس حال البلاد.

ورأى أنه إذا أعيد بناء التعليم كثورة حقيقية، يمكن أن يتحول الدمار إلى قصة انتصار، ويعود التعليم ليكون جسرًا نحو الحرية والكرامة. فلا يمكن لليبيا أن تنهض باقتصاد نفطي هش وحده، بل التعليم هو السبيل إلى اقتصاد أقوى ومجتمع أكثر عدلًا، ومستقبل أكثر استقرارًا.

Shares: