كشف الدكتور سيف الإسلام معمر القذافي عدة حقائق حول ثورة الفاتح المجيد في ذكراها الـ56، رأى أن يلقي الضوء على تاريخ أُغفل عمدًا أو سهوًا، موثقا ذلك بالمراجع والمصادر التاريخية المتنوعة.
وقال سيف الإسلام عبر حسابه الرسمي على فيسبوك، إن ثورة الفاتح لم تقم ضد شخص الملك إدريس السنوسي أو ضد حكومة ونيس القذافي، بل كانت ضد ست قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية متمركزة على التراب الليبي، وضد عشرين ألف مستوطن إيطالي امتلكوا أهم الشوارع والعقارات والأراضي الزراعية في غرب ليبيا، وكانت أيضًا ضد التغلغل البريطاني وتحكمه في صنع القرار في البلاد.
وأضاف أن الثورة كانت تطمح إلى بناء ليبيا قوية تلتحم بالمد القومي التحرري، وتشارك في الحرب لتحرير فلسطين، وتسعى لتحقيق الوحدة العربية وغيرها من الأهداف الكبرى التي حلم بها جيل الستينات.
وتابع قائلا: بحكم علاقتي الطيبة بالأسرة السنوسية لا أرى حرجاً في كشف الكثير من خفايا التاريخ التي أُغفلت لعشرات السنين.
وتبدأ قصة إدريس السنوسي، المنحدر من أصول بربرية من جبل سنوس في مستغانم بالجزائر، وتعليمه وتربيته على يد الشارف الغرياني، الذي كان معلمه ومربيه، ثم أصبح كبير مستشاريه، وكان له أثر بالغ في تشكيل فكر السنوسي وشخصيته.
وتحول لقب إدريس السنوسي من “السيد” إلى “الأمير” بموجب اتفاقية الرجمة التي نقلت السنوسية من حركة دينية صوفية إلى حركة سياسية، وخلقت من إدريس أميراً على برقة ومن أخيه وليًا للعهد، وأوجدت بذلك عائلة ملكية.
أما “اتفاقية الرجمة”، فهي اتفاقية بين إدريس السنوسي وإيطاليا (ومن ورائها بريطانيا)، حيث ورد فيها لأول مرة لقب “الأمير”، وأصبحت برقة بموجبها إمارة. وجوهر الاتفاقية أنها جعلت إدريس السنوسي “أميرًا” مقابل وقف الجهاد ونزع السلاح من القبائل الليبية.
وقد سبق ذلك التخلص من السيد أحمد الشريف وتوقف العمليات العسكرية ضد إيطاليا في ليبيا وضد بريطانيا في مصر كما هو معروف.
ثم جاءت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية واختلاف أعيان المنطقة الغربية ورموزها، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تنصيب الأمير إدريس السنوسي ملكًا على ليبيا حتى عام 1969.
وأوضح الدكتور سيف أن الملك إدريس تنازل عن العرش قبل 28 يومًا من قيام الثورة، أي في الرابع من أغسطس 1969، وكان لزامًا عليه بحكم الدستور تسليم العرش إلى ولي العهد (الذي تنازل علنًا عن العرش بعد الثورة).
ونشر اليوم الوثائق الليبية والبريطانية، وخاصة ما ذكره المستشار البريطاني الخاص بالملك “إيريك آرمار فولي دي كاندول”، حيث أكد أن النسخة الأصلية من وثيقة التنازل موجودة لدى آل العبار الذين يحتفظون بها إلى الآن. وكذلك رسالة الملكة فاطمة إلى المستشار الإنجليزي بشأن تنحي الملك، والتي أوردها الأخير في مذكراته.
كما أن الملك كان دائم السخرية من ولي عهده، ويراه شخصًا غير جدير بالحكم، وهو ما كشفته وثائق الخارجية الأمريكية التي رفعت عنها السرية، وذكره مصطفى بن حليم في مذكراته، وأكده أيضًا المستشار البريطاني دي كاندول في مذكراته.
وعندما قدّم الملك استقالته، ذهب إليه رئيس مجلس الشيوخ (عبدالحميد العبار) ورئيس مجلس النواب (مفتاح عريقيب) في محاولة لثنيه، لكنه رفض الرجوع عن الاستقالة، وكلّف ولي العهد بتولي مقاليد الحكم حسب الدستور، وقال لهما: “أنتم أدرى بشؤونكم، فابحثوا عن الأنسب، لأني أشك في أن ولي العهد قادر على تولي هذه المهمة”.
ورأى الدكتور أن هذا يُحسب للملك إدريس، إذ كان يعلم أن ولي العهد غير كفء لتولي الحكم.
وحول قصة آل الشلحي (جزائري الأصل) التي ذكرها كلٌ من مصطفى بن حليم ومحمد عثمان الصيد في مذكراتهما، فقد كان الملك يرى أن النظام الملكي لا يصلح لليبيا، وأن الشعب رافض إياه، وكان عازمًا على تحويله إلى نظام جمهوري. وكان شائعًا آنذاك أن أحد أفراد آل الشلحي سيصبح رئيسًا للجمهورية، نظرًا لكره الملك لولي عهده، وكذلك بسبب الفجوة بين العائلة السنوسية وآل الشلحي بعد اغتيال إبراهيم الشلحي، خادم الملك أقرب المقربين إلى الملك، على يد محيي الدين السنوسي حفيد أحمد الشريف.
واعترف عبدالعزيز الشلحي عند التحقيق معه من قبل الضباط الوحدويين الأحرار (ومنهم الفريق مصطفى الخروبي والفريق خليفة مصباح) بأن الملك أشار إليهم بأنه بعد تنازله وتسليمه العرش لولي العهد، إذا ساءت الأمور فلهم أن “يدبروا أمرهم”، أي أن لهم الضوء الأخضر للانقلاب، وفق شهادة الحضور.
وكان من شدة شيوع هذا الاعتقاد أن الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، عندما وصل إلى ليبيا سنة 1969، كان أول ما سأل عنه في المطار: “أين الشلحي بيه؟”، إذ كان يعتقد أن آل الشلحي هم من قاموا بثورة الفاتح.
لكن نجاح الثورة أربك حسابات الملك وآل الشلحي، حيث قُبض على عبدالعزيز الشلحي وولي العهد معًا.
واجتمع الملك إدريس بعد ذلك في أكتوبر 1969 باليونان مع عبدالله عابد السنوسي وعمر الشلحي، حسب رواية إدريس عبدالله عابد السنوسي، وجرى فيه بحث تغيير الخطة وإعلان عبدالله عابد السنوسي وريثًا للعرش بعد ما حدث. وقد أكدت العائلة السنوسية ذلك في وثائقها، وما يزال ابنه إدريس عبدالله عابد السنوسي يذكره حتى اليوم.
مع ذلك، أعلن الملك إدريس في ذلك الاجتماع أنه اعتزل السياسة نهائيًا، وتبرأ من محاولات عمر الشلحي الاستعانة بالإنجليز أو بالمرتزق الفرنسي الشهير “بوب دينار”، وقال جملته الشهيرة: “البلاد جوها هلها”.