أفادت صحيفة دايلي صباح التركية بأن ليبيا التي تُعدّ مركزَ التطورات في شرق المتوسط خلال الأشهر الأخيرة، شهدت توترات حادة، حيث لم يتحقق الاستقرار بشكل كامل في حقبة ما بعد أحداث 2011.
وأشارت الصحيفة في تقرير لها، إلى فشل المبادرات الدولية في التوصل إلى حل شامل، موضحة أن ليبيا بموقعها الحيوي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبوابتها إلى أفريقيا، لم تعد معنية فقط بديناميكياتها الداخلية، بل أصبحت أيضًا عنصرًا أساسيًا في تشكيل التوازنات التجارية والسياسية والعسكرية الجديدة في المنطقة.
ووفقا للتقرير، تجلى ذلك في اجتماع إسطنبول بين تركيا وليبيا وإيطاليا مطلع أغسطس، حيث تجاوز الاجتماع بين الرئيس رجب طيب أردوغان، وعبد الحميد دبيبة، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، البروتوكول الدبلوماسي التقليدي.
وتناول مجموعة متنوعة من المواضيع، بما في ذلك قضايا الطاقة والاقتصاد، والمخاوف الإقليمية، والهجرة غير النظامية، وكان هذا الاجتماع، الذي عُقد في أعقاب التصعيد الأخير للتوترات بين ليبيا واليونان، جديرًا بالملاحظة أيضًا من منظور شرق البحر الأبيض المتوسط.
وبحسب التقرير، بدأت اليونان انتهاج سياساتها العدائية في شرق البحر الأبيض المتوسط بتوقيع اتفاقية الاختصاص البحري بين تركيا وليبيا عام 2019، وبدأت مطالباتها “المتطرفة” تُعرّض المصالح الوطنية للدول المجاورة في شرق البحر الأبيض المتوسط للخطر.
وأضاف أن أثينا، التي لم تتمكن من الحصول على الدعم الذي ترغب فيه من الجهات الفاعلة الأوروبية وحلفاء الناتو الذين أضعفهم الصراع الروسي الأوكراني بشكل كبير، تشعر أيضًا بعدم الارتياح إزاء التعاون المتنامي بين تركيا وليبيا وإيطاليا.
وحافظت إيطاليا على منظورها التاريخي للبحر الأبيض المتوسط باعتباره البحر الداخلي لروما القديمة، على الرغم من انتهاء احتلالها لليبيا في بداية القرن العشرين، ولا تزال ليبيا ذات أهمية بالنسبة لإيطاليا.
يبدو أن فرنسا وألمانيا، اللتين دعمتا سابقًا خطط اليونان الأحادية الجانب في شرق البحر الأبيض المتوسط، قد أعادتا تقييم أولوياتهما في أعقاب الصراع الروسي الأوكراني، وقد خلق هذا فرصة جديدة لإيطاليا في شرق البحر الأبيض المتوسط، بحسب التقرير.
وبدلاً من اتباع السياسة الأحادية التقليدية المتمثلة في دعم اليونان، تهدف روما إلى تطوير التعاون مع تركيا، التي يبدو أنها تعتبرها طرفًا فاعلًا رئيسيًا في المرحلة الجديدة، من خلال مشاركتها في اجتماع إسطنبول الأخير.
ولإسماع صوتها في شرق المتوسط، ومعالجة قضية الهجرة غير الشرعية، والمشاركة في مشاريع الطاقة المستقبلية، تسعى إيطاليا إلى تعزيز علاقاتها مع تركيا وليبيا، في وقتٍ تعجز فيه أوروبا عن تطبيق سياسة موحدة لشرق المتوسط.
ورغم عدم اعتراف إيطاليا رسميًا بالاتفاق بين أنقرة وطرابلس، يبدو أنها قبلت المعادلة الجديدة، حيث أبرمت أيضًا اتفاقيات منفصلة مع الجزائر وتونس.
البحث عن معادلة جديدة
ورأى التقرير أن الإجراءات الأحادية وغير القانونية التي اتخذتها اليونان، مثل خريطة التخطيط المكاني البحري المنشورة مؤخرًا، تُشكّل سرقةً لآلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي البحرية من تركيا وليبيا ومصر.
بعد توقيع الاتفاقية التركية الليبية عام 2019، وقّعت اليونان اتفاقية مماثلة مع مصر عام 2020، وتواصل الدعوة إلى إجراءات غير مقبولة لدى العديد من الدول المطلة على شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك القاهرة، حيث رفضت مصر ما يُسمى بالتخطيط المكاني البحري اليوناني وقدمت مذكرة دبلوماسية.
وتسعى دول المنطقة، مثل مصر، التي وقّعت الاتفاقية مع اليونان تحت ضغط أمريكي عقب الاتفاق التركي الليبي عام 2019، حاليًا إلى عملية جديدة وعادلة قائمة على مبدأ التقاسم العادل. وفي هذا الصدد، من المحتمل توسيع نطاق القمة الأخيرة في إسطنبول، والعملية المرتقبة بين تركيا وإيطاليا وليبيا، لتشمل دولًا أخرى في شرق البحر الأبيض المتوسط.
في ظل الوضع الراهن، حيث يتعين على أوروبا التحرك بسرعة لإنشاء هيكل أمني جديد، فإن أهمية تركيا، والعلاقات المعقدة التي لا يزال شرق ليبيا يحافظ عليها مع روسيا، ونفوذ أنقرة في غرب ليبيا وشرقها، وتراجع الدعم الأوروبي لليونان، قد تؤدي إلى تراجع حدة الدعم الأوروبي لليونان.