قالت هيومن رايتس ووتش الحقوقية أمس، إن الجماعات المسلحة المتناحرة في ليبيا لم تحم المدنيين خلال الاشتباكات التي شهدتها طرابلس الأسبوع الماضي، مما أدى إلى مقتل مدنيين وإلحاق أضرار بالمنازل، مطالبة السلطات القضائية التحقيق بشكل عاجل في التجاوزات والانتهاكات.
وأشارت المنظمة في تقرير لها، إلى اندلاع معارك عنيفة بين الجماعات المسلحة بالعاصمة طرابلس في 12 مايو الجاري عقب مقتل عبد الغني “غنيوة” الككلي، رئيس “جهاز دعم الاستقرار”، في ظروف لا تزال غامضة.
قمع المظاهرات
وذكرت أنه بعد يومين من الاشتباكات، دخلت هدنة حيز التنفيذ في 14 مايو، ومنذ ذلك الحين، استخدمت الجماعات المسلحة الذخيرة الحية لقمع الاحتجاجات واسعة النطاق المناهضة لحكومة الدبيبة.
وقالت حنان صلاح، المديرة المساعدة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: يتحمل المدنيون العالقون في قتال طرابلس، مرة أخرى، وطأة الجماعات المسلحة المتهورة وغير الخاضعة للمساءلة، والتي تُظهر استخفافًا تامًا بأرواح الناس عندما تطلق النار بالأسلحة الثقيلة في المناطق السكنية.
وفي حين أن هذه الجولة من القتال اندلعت بسبب صراعات النفوذ وتصاعد التوترات حول السيطرة على الموارد، إلا أن الاشتباكات وقعت في إطار انقسام سياسي أوسع في البلاد، بحسب التقرير.
وأفادت المنظمة بأن الككلي قُتل إلى جانب عدد من رفاقه في اجتماع في طرابلس مع قادة بارزين آخرين من غرب ليبيا. عُقد الاجتماع في قاعدة التكبالي، مقر اللواء 444 بإمرة محمود حمزة. ولا تزال ملابسات وفاة الككلي غير واضحة حتى الآن، لكن تقرير تشريح الجثة المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي يشير إلى أنه أُطلق عليه الرصاص من مسافة قريبة في مؤخرة رأسه.
وعقب مقتله، اندلعت معارك بين جماعات مسلحة متنافسة، واشتبك اللواء 444 مع مواقع تأوي مسلحين، وانضمت جماعة مسلحة رئيسية أخرى، وهي جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، المعروف أيضًا باسم “الردع”، بقيادة عبد الرؤوف كارة، إلى القتال بعد أن هاجم اللواء 444 مناطق خاضعة لسيطرته.
سقوط ضحايا مدنيين
ووردت أنباء عن مقتل عروس تبلغ من العمر 21 عامًا في اشتباكات 14 مايو عندما سقطت قذيفة على منزلها في منطقة عين زارة، انتشلت خدمات الطوارئ في ذلك اليوم جثتي الشقيقين سالم ونجيب التاجوري، بعد أن سقطت قذيفة عشوائية على منزلهما على ما يبدو وأودت بحياتهما.
كما قُتلت سعاد السويح، وهي مدنية من سكان سوق الجمعة، بعد أن أصابت قذيفة منزلها، وفقًا لتقارير إعلامية نقلاً عن البلدية المحلية، وفي حادثة أخرى أوردتها وسائل إعلام محلية، أدى قصف في 12 مايو على شارع سليمان خاطر إلى إصابة عدد من المارة.
وحتى 20 مايو، لم تُصدر وزارة الصحة التابعة لحكومة الدبيبة إحصاءات عن ضحايا القتال، فيما قال مجلس النواب إن ستة مدنيين قُتلوا، لكنه لم يُحدد مصدر هذه المعلومات.
وشارك سكان طرابلس مقاطع فيديو وصورًا لأضرار لحقت بالمنشآت المدنية، بما في ذلك احتراق منازل وسيارات، وقالت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة إنها عالجت ما لا يقل عن 69 مطالبة تتعلق بأضرار لحقت بممتلكات مدنية، حتى 18 مايو. كما تضررت مكاتب ومركبات تابعة لمصرف ليبيا المركزي جراء القتال.
ودعت إدارة الإسعاف والطوارئ في طرابلس الفصائل المسلحة إلى توفير ممر آمن للمدنيين الراغبين في الفرار من القتال، ولعمال الطوارئ.
ذخيرة حية في مواجهة المتظاهرين
كما وردت أنباء عن استخدام الجماعات المسلحة في طرابلس للذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين الذين خرجوا للاحتجاج على حكومة الدبيبة في حي أبو سليم وساحة الشهداء في 14 مايو والأيام التي تلته.
وفي 16 مايو، أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الدبيبة عن مقتل ضابط شرطة “بسبب إطلاق نار عشوائي أثناء تأدية واجبه الأمني” في ساحة الغزالة، لكنها لم تُقدم أي تفاصيل.
وانتشرت تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بإطلاق سراح أو هروب سجناء من مراكز احتجاز كانت تُدار سابقًا من قِبل جهاز أمن الدولة، لكن هذه التقارير غير مؤكدة.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي على السلطات ضمان معرفة مصير المعتقلين وإجراء مراجعات قضائية فورية لتحديد وضعهم وضرورة استمرار احتجازهم.
في بيان صدر في 12 مايو، سعى عبد الحميد الدبيبة، إلى تصوير عملية أبو سليم على أنها إنجاز أمني، مشيدًا بوزارتي الداخلية والدفاع “لإنجازاتهما الكبيرة في إرساء الأمن وفرض سلطة الدولة في العاصمة”، ومشيرًا إلى أن الهدف هو “القضاء على الجماعات غير النظامية”.
وفي خطاب متلفز في 17 مايو، برر الدبيبة الهجمات على جهاز أمن الدولة من قبل الجماعات المسلحة الموالية لحكومته، قائلاً: “كان غنيوة في منطقة مكتظة بالسكان، ويسيطر على ستة بنوك في البلاد، ومن يخالف أوامره سيُرسل إلى السجن أو المقابر.
في 13 مايو، أصدر رئيس الدبيبة سلسلة من المراسيم الأمنية في خضم الاشتباكات، أمر فيها بحل أو إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية بدعوى إخضاعها لسيطرة الدولة.
مراسيم الدبيبة
وشملت هذه المراسيم حل إدارة عمليات الشرطة القضائية والأمن القضائي، برئاسة أسامة نجم، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم خطيرة، بالإضافة إلى حل مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية، ونقل أصولها إلى الإدارة العامة الجديدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية التابعة لوزارة الداخلية.
كما عيّن مصطفى الوحيشي رئيسًا لجهاز الأمن الداخلي في طرابلس، المعروف بانتهاكاته. أدى رد الفعل العنيف واسع النطاق على المراسيم بين الفصائل المسلحة المستهدفة إلى قيام محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، بتجميد القرارات “ذات الطابع العسكري أو الأمني” في 13 مايو.
واستقال عدد من الوزراء احتجاجًا على تعامل حكومة الدبيبة مع الاشتباكات، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء ووزراء الاقتصاد والتجارة والحكم المحلي والإسكان والتعمير.
المنظمة طالبت السلطات الكشف عن وضع المقاتلين وأفراد الميليشيات المعتقلين أثناء الاشتباكات أو بعدها، وضمان احتجازهم وفقًا للقانون، ومعاملتهم معاملة إنسانية، وعدم تعرضهم لجرائم انتقامية.
كما ينبغي على السلطات القضائية تأمين الوثائق والأدلة الأخرى الموجودة في السجون أو القواعد التي يستخدمها جهاز أمن الدولة والجماعات المسلحة الأخرى في حي أبو سليم، لضمان الحفاظ على الأدلة الحاسمة للمساءلة مستقبلًا.