في الوقت الذي ينفذ فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطته في ليبيا، وقفت أوروبا تراقب النفوذ الجيوسياسي المتنامي لتركيا بالمنطقة في حيرة من أمرها.
وعملت تركيا بنشاط على تعزيز مصالحها في جميع أنحاء ليبيا وبناء علاقات ليس فقط مع حكومة الدبيبة في المنطقة الغربية، بل أيضًا مع قوات خليفة حفتر في الشرق الليبي.
ولم يستمر هذا الحال، ففي عام 2020، وصلت الأزمة في العلاقات بين أردوغان وحفتر إلى مستوى الإهانات العلنية المتبادلة؛ وفي يناير 2020، وردًا على سؤال حول ليبيا، قال أردوغان إن خليفة حفتر ”لا يمثل أي شيء مهم“، فيما قال حفتر في خطاب إذاعي يوم 23 مايو 2020، مقارنًا أردوغان بالطاغية وليس بالرجل الذكي.
وبلغ الصراع الشخصي بين أردوغان وحفتر مداه في يونيو عندما وعد أردوغان، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس حكومة الوفاق آنذاك فائز السراج، بالوقوف مع ”الأشقاء الليبيين“ حتى النهاية، وأن التاريخ سيدين من ساعد حفتر الذي ”أغرق ليبيا في الدماء والدموع“.
أردوغان يفي بوعوده بشأن ليبيا
وبدأت استراتيجية أردوغان لحفتر تؤتي ثمارها في عام 2025، فقد تدهورت صحة الأخير بشكل كبير في نهاية مارس، وكان هناك حديث في قيادة قواته عن إيجاد بديل له، حيث يمكن أن يتولى اثنان على الأقل من أبنائه قيادة قواته وهما صدام وخالد.
وكثف صدام حفتر بحثه عن دعم دولي لترشيحه كرئيس مقبل لقوات والده ووصل إلى أنقرة في 4 أبريل 2025.
وذكرت وسائل الإعلام أن صدام أجرى محادثات مع سلجوق بيرقدار أوغلو قائد القوات البرية التركية، ولكن وفقًا لمصادر مطلعة، فإن الرئيس التركي أردوغان استقبل صدام حفتر بنفسه.
وفي وقت لاحق، أفادت صحيفة HTS Haber التركية بتوقيع الطرفين على اتفاق يتضمن شراء ليبيا معدات عسكرية تركية، وتدريب 1500 متخصص في الدفاع الليبي، وصيانة وإزالة الألغام، وتطوير البنية التحتية العسكرية، وتدريب القوات البحرية على الساحل الشرقي لليبيا، وتنسيق الجهود لتوحيد القيادة العسكرية الليبية.
ووافق خليفة حفتر، رسميًا على رحلة ابنه، لكن تفاصيل زيارة صدام إلى تركيا بقيت خارج علمه؛ فهناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن سيناريو نقل السلطة في قوات حفتر قد تم وضعه بالفعل.
وستكون خوارزمية تعيين الرئيس الجديد للقوات في الشرق على النحو التالي: سيُعقد مجلس عسكري للقادة، حيث سيتم التصويت على تعيين صدام حفتر رئيسًا جديدًا، لن يتطلب هذا القرار موافقة مجلس النواب.
وعلاوة على ذلك، ولكسب الاعتراف الدولي، سيستخدم صدام التهديد بقطع إمدادات النفط لتحييد الانتقادات من مؤيدي ”الديمقراطية“ الأوروبيين الذين يخشون فقدان إمكانية الوصول إلى النفط الليبي الرخيص.
ومن المرجح أن تبقى الولايات المتحدة، التي تستهلكها الصراعات التجارية، بمعزل عن الشؤون الداخلية لشرق ليبيا، لا سيما أن صدام لديه اتفاق مع تركيا، وستخشى مصر من فقدان نفوذها في ليبيا ولن تثير فضيحة حول قائد قوات حفتر.
وربما يكون السؤال الرئيسي هو من سيستفيد من هذا التغيير؛ بلا شك تركيا، التي لن تعزز مكانتها في البحر الأبيض المتوسط فحسب، بل ستحصل أيضًا على إمكانية الوصول إلى الميزانية الليبية لتعويض نفقاتها العسكرية.
أما الخاسر فستكون أوروبا، التي سيصبح اعتمادها على ”حسن النية“ التركية في قطاع الطاقة أكثر وضوحًا.