تناولت منظمة Carnegie Endowment الأمريكية غير ربحية أوجه التشابه والاختلاف بين تغيير النظامين في ليبيا وسوريا، وما الذي يمكن أن يتعلمه السوريون مما حدث في ليبيا؟
وأفادت المنظمة في تقرير لها، بأن بعض الليبيين استقبلوا خبر إسقاط النظام الليبي بتدخل حلف الناتو في البداية بآمال الديمقراطية، ولكن سرعان ما سقطت البلاد في حالة من الفوضى، والقتال بين الميليشيات، والإرهاب.
وأشار التقرير إلى تحذير بعض المراقبين من أن سوريا قد تتبع نفس مسار ليبيا أو ما هو أسوأ، لكنه رأى أن مثل هذا التشاؤم ليس في غير محله؛ إذ تشير نظرة سريعة على الاختلافات بين سوريا وليبيا إلى أن سوريا تواجه صعوبات أعظم كثيراً.
وذكر أن سوريا أكثر تنوعاً وتفتتاً من ليبيا، على الأقل من حيث العرق واللغة والطائفة والمنطقة، وإن كانت هذه الانتماءات قد استغلها الأسد لفترة طويلة وعسكرها أثناء حكمه القمعي وحملاته القمعية.
كما دمر اقتصادها وبنيتها الأساسية خلال صراع دام عشر سنوات، وشهدت أكبر نزوح للسكان في القرن الحادي والعشرين، وسقطت أجزاء شاسعة من أراضي سوريا في أيدي المنظمات الإرهابية والميليشيات.
وفي المقابل، فإن سكان ليبيا أصغر وأكثر تجانساً، رغم الانقسامات التي نشأت أحداث 2011 وبعدها، والتي كانت في كثير من الأحيان قائمة على الإيديولوجية والمحسوبية والموقع.
ولم تستمر انتفاضة ليبيا سوى ثمانية أشهر، الأمر الذي ترك اقتصادها المعتمد على النفط سليماً إلى حد كبير، وإن كانت الفصائل الليبية قد انخرطت في صراع محصلته صفر للسيطرة على موارد النفط.
في حين تحولت الانتفاضات في كلا البلدين إلى حروب بالوكالة شملت جهات خارجية من داخل الشرق الأوسط وخارجه، شهدت سوريا دمارًا أسوأ بكثير في ظل حملة القصف العشوائي التي شنتها روسيا وتدخل الميليشيات المدعومة من إيران.
ومع ذلك، لا ينبغي لسوريا أن تعاني من نفس مصير ليبيا، بل إن تجربة ليبيا تُظهر أن القيادة المبكرة وصنع القرار مهمان، فخلال هذه الفترة الحاسمة، ارتكب زعماء ليبيا خطأين مصيريين يجب على السوريين تجنبهما، وفقا للتقرير.
أولاً، أصبحوا مهووسين بمعاقبة أي شخص مرتبط بنظام العقيد الراحل معمر القذافي، موضحا أن جميع القادة الانتقاليين يتصارعون حول كيفية محاسبة المسؤولين من النظام القديم، سرعان ما تحول هذا الأمر الحتمي إلى ذريعة لتصفية الحسابات والانتقام الشخصي.
وفي عام 2013، أقر البرلمان “قانون العزل” الشامل الذي دعا إلى حرمان فئات واسعة من الليبيين من حقوقهم السياسية والاقتصادية، وكانت النتيجة متوقعة؛ فقد ساعد الانقسام بين الليبيين الذين استفادوا من التشريع وأولئك الذين عانوا منه في تسريع اندلاع حرب أهلية عنيفة.
ووفقا للتقرير، يتعين على قادة سوريا الجدد أن يضمنوا أن تركز الجهود الرامية إلى التعامل مع مسؤولي نظام الأسد على السلوك وليس الانتماء أو اللقب، ولا ينبغي استبعاد سوى أولئك الذين تثبت إدانتهم بارتكاب انتهاكات في محاكمات عادلة من الخدمة الحكومية.
ثانياً، ارتكبت الحكومة الليبية خطأً قاتلاً مبكراً بتعزيز الميليشيات المفترسة وغير الخاضعة للمساءلة في البلاد.
وبهدف السيطرة على الجماعات المسلحة الثورية التي قاتلت ضد النظام ومكافأتها مع استرضاء الفصائل السياسية الرئيسية، وضعت السلطات الليبية الميليشيات على قوائم رواتب الدولة وضمتها إلى الوزارات.
ونتيجة لهذا، ارتفعت قوتها إلى عنان السماء، وجذبت آلاف الشباب الليبيين ــ الذين لم يشارك كثيرون منهم في أحداث 2011 ــ الوعد بالحصول على راتب، فاندفعوا للانضمام إلى الميليشيات، وبرز قادتهم كطبقة جديدة من أمراء الحرب، وفي الوقت نفسه، ظل الجيش النظامي والشرطة ضعيفين ويعانون من نقص التمويل.
اليوم، أصبح زعماء الميليشيات وحلفاؤهم هم السادة الفعليون لليبيا، بعد أن استولوا على وظائف رئيسية للدولة وثرواتها النفطية، إن هذه الميليشيات، التي لا ترغب في التخلي عن امتيازاتها، قد عرقلت أي تحرك نحو الديمقراطية الشاملة.
وأكدت المنظمة أنه لتجنب سيناريو مماثل، يتعين على قادة سوريا تجنب تمكين الميليشيات في البلاد، بما في ذلك التي حاربت الأسد، وينبغي تشجيع الثوار الذين يريدون الانضمام إلى الجيش والشرطة على القيام بذلك ــ ولكن كأفراد.