أفاد المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” بأن تطور الأوضاع في ليبيا يقدم دروسا للقادة الجدد في سوريا.
وأشار المعهد في تقرير له، إلى التشابه الكبير بين الأوضاع داخل البلدين، لا سيما فيما يتعلق بالمشهد الأمني المتشرذم والتدخل الكبير للقوى الأجنبية.
وأوضح أن حجم التحدي الذي تواجهه سوريا أكبر مما واجهته ليبيا في عام 2011، لا سيما أن الثورة السورية جاءت بعد أكثر من عقد من الصراع الوحشي، الذي دمر معظم البنية التحتية للبلاد، وخلق أزمة لاجئين هائلة.
وذكر أن الصراع السوري أدى إلى مقتل أكثر من 600000، وهو ما يجعل الانقسامات الاجتماعية والتصدعات المجتمعية في سوريا في عام 2024 أعمق بكثير مما كانت عليه في ليبيا عام 2011.
وبين أن الاختلاف الرئيسي الآخر هو هيكل الاقتصاد السوري، الذي تحول تحت وطأة العقوبات الثقيلة إلى مركز لإنتاج وبيع المواد المخدرة وحبوب الكبتاغون، وجرى تقسيم البلاد إلى مناطق تمتع بعضها بالحكم الذاتي.
يضاف إلى ذلك تركز البنية التحتية النفطية السورية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، لكن سوريا ليست دولة مصدرة رئيسية، هذا يعني أنه لا توجد بنية تحتية وطنية واسعة يشارك فيها جميع الأطراف بمصلحة اقتصادية مشتركة.
أما في ليبيا فقد كانت السلطات المتنافسة تدرك أن اقتصاد بلادهم يعتمد على البنية التحتية للنفط والغاز، وهو عامل شجع على مستوى من الاعتماد المتبادل.
ولفت التقرير إلى وجه التشابه الأبرز بين الوضع في ليبيا وسوريا هو المشهد الأمني، إذ تسيطر مجموعة واسعة من الجماعات المسلحة على الأراضي في كلا البلدين.
وتابع: سيتعين على القادة الجدد في سوريا التعامل مع مجموعة من الفصائل المسلحة ذات المصالح الراسخة والمتضاربة، من الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا، وقوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة.
وواصل: الحال نفسها يتكرر في ليبيا، إذ فشلت الجهود الرامية إلى إخضاع مجموعة الجماعات المسلحة لسيطرة وزارتي الدفاع والداخلية، ومارست المجموعات المسلحة نفوذا واسعا على مؤسسات الدولة”.
وأضاف: في ليبيا يتعاون القادة الأقوياء ويتنافسون مع المسؤولين في بيئة شديدة التحصين، ونتيجة لهذا يسعى المنافسون السياسيون بفاعلية إلى استرضاء الجماعات المسلحة من خلال توفير الموارد وتطوير التحالفات غير الرسمية.
وتواجه سوريا معضلة أكبر تتمثل في تدخل القوى الأجنبية كما هو الحال في ليبيا، حيث بنت القوى الخارجية شراكات مع الأطراف المتنافسة في شرق وغرب البلاد، ما عرقل مساعي الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة موحدة.
واسترسل التقرير بأن الدروس من ليبيا واضحة تماما: دون إجماع بين اللاعبين الخارجيين، ستكون الاتفاقات الهشة بين الفصائل السورية مهددة، وسيجرى تقويض أي مساع لحكومة فعالة، وعديد من الأطراف المؤثرة في الأحداث في ليبيا، مثل روسيا وتركيا لديها أيضا مصالح في سوريا.
وأكد أن الدرس الأخير الذي يمكن أن يتعلمه القادة الجدد في سوريا من الوضع داخل ليبيا، وهي العواقب المترتبة على الانفصال بين القيادة السياسية والجماعات المسلحة نفسها.