سلط موقع بي بي سي البريطاني الضوء على موضوع ترسيم الحدود بين تونس وليبيا الذي عاد إلى واجهة النقاش، بعد تصريحات أدلى بها وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي، أمام برلمان بلاده في نوفمبر الماضي.

تصريحات الوزير التونسي التي سببت أزمة قال فيها إن بلاده تسعى لإعادة ترسيم الحدود مع ليبيا؛ ردا على أحد النواب ذكر أن جزءا كبيرا من الأراضي التونسية خارج الساتر الترابي الذي بنته بلده على حدودها الشرقية، مُبدياً قلقه من احتمالية تحول الساتر إلى حدود طبيعية.

لم تمر تلك التصريحات مرور الكرام في ليبيا حيث أُثير حولها جدل أكثر ممّا أثير في تونس، حيث وصف رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس النواب، طلال الميهوب، التصريحات بـ “غير مسؤولة”، محذرًا من المساس بالحدود.

كما أكد الطاهر الباعور وزير الخارجية المكلف بحكومة الدبيبة، أن ملف ترسيم الحدود قد حُسِم منذ سنوات عبر لجنة مشتركة بين البلدين.

وفي إطار تهدئة الأوضاع، أجرى وزيرا خارجية البلدين اتصالًا هاتفيًا، كما عُقدت محادثات بين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الليبي والسفير التونسي الذي أوضح أن تصريحات وزير الدفاع التونسي أُخرجت من سياقها.

ووفقا لتقرير بي بي سي، رغم أن الأمور تتجه نحو التهدئة، يرى البعض أن هذه الحادثة أُستغلت لإعادة فتح نقاش حول خلاف آخر، وهو الخلاف حول حقل “البوري” النفطي.

ونقل الموقع عن أستاذ العلوم الجيوسياسية بالجامعة التونسية رافع الطيب، تأكيده أن النزاع الحالي بين تونس وليبيا يتعلق بإدارة الحدود وليس بإعادة ترسيمها.

وقال: الحدود بين تونس وليبيا رُسمت خلال فترة الاستعمار، عندما كانت تونس تحت الاستعمار الفرنسي وليبيا تحت الاحتلال العثماني ثم الإيطالي، وهي حدود واضحة ومعترف بها. لكن طبيعة المنطقة الحدودية المتغيرة بفعل الانجرافات شكلت تحديًا دفع تونس إلى مراقبتها لضمان عدم استغلالها من لدن شبكات التهريب.

وأضاف أن الحدود تتجاوز كونها مجرد معابر للتهريب، فهي تعكس أيضًا تعقيدات أمنية وجيوسياسية. فبعد نجاح تونس في مكافحة الإرهاب في جنوبها، عززت وجود الجيش والأمن، ما أثار قلق الميليشيات التي تعتمد على التهريب. وتصاعدت التوترات بعد حفر تونس خندقًا حدوديًا، مما اعتبرته الميليشيات تهديدًا لمجالها الحيوي.

وتابع: تعاني الحدود البحرية بين البلدين أيضًا من تعقيدات متعلقة بتهريب البشر والأنشطة غير القانونية، مستطردا: تستخدم الميليشيات الليبية الخطوط الحدودية البحرية للهروب من الملاحقة الأمنية، إما عبر المياه الليبية لتجنب القبض عليها من الجانب التونسي، أو إلى المياه التونسية لتفادي العقوبات الأوروبية.

ويرى الطيب أن المشكلة تكمن في التشكيل الجيوسياسي المعقد على الحدود، قائلا: من الجانب التونسي، هناك جيش بتنظيم عسكري واضح واستراتيجية أمنية متماسكة، أما من الجانب الليبي، فهناك خليط من الميليشيات المتصارعة.

وذكر أن تونس لم تغلق معبر رأس اجدير أمام التجارة ومرور الناس، بل الجانب الليبي هو الذي أغلقه مدة 6 أشهر بدعوى تجديده، موضحا أن تعقيدات الحدود لا تتوقف على الأطراف الليبية.

وواصل الطيب قائلا: حدودنا اليوم في بعض المجالات ليست مع الدولة الليبية بل مع أطراف أجنبية مثل مع تركيا التي ترى في الحدود التونسية عائقًا أمام مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في ليبيا.

وفي عام 2023، أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد جدلاً واسعاً بإعادة طرح قضية حقل البوري النفطي، الذي يقع على بعد 120 كيلومترًا شمالي الساحل الليبي في البحر المتوسط، ويُنتج هذا الحقل، المُكتشف عام 1976، نحو 23 ألف برميل نفط يوميًا.

آنذاك صرّح سعيّد بأن تونس لم تحصل سوى على “الفتات” من الحقل، رغم تسوية النزاع بقرار محكمة العدل الدولية عام 1982 الذي منح السيادة على الحقل لليبيا.

وأثارت تصريحات سعيَد غضباً شعبياً ورسمياً في ليبيا، إذ عُدَّت مساساً بسيادة البلاد واستغلالاً للانقسام السياسي، بينما انقسم التونسيون بين مؤيد لها ومنتقد يصفها بالشعبوية ومحاولة لصرف الأنظار عن المشاكل الاقتصادية.

وتعود قضية الجرف القاري إلى السبعينات حين طالبت تونس بأحقيتها في الجرف القاري، لكن المحكمة الدولية حكمت لصالح ليبيا، وأكدت القرار لاحقاً بعد اعتراض تونس.

Shares: