اتسعت دائرة الصراع بين مجلسي النواب والرئاسي، ما ينذر بأزمة جديدة تكرس لانقسام السلطة القضائية، ما قد تعصف بكل الجهود المبذولة للخروج من النفق الذي لا تزال البلاد تمر به منذ العام 2011.
أحدث حلقات الصراع بين المجلسين تمثلت في خطاب أرسله رئيس الرئاسي محمد المنفي إلى رئيس البرلمان عقيلة صالح يطالبه فيه بإلغاء القانون الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية، وتجميد ومراجعة جميع القوانين التي لا تتطلبها المرحلة الانتقالية أو المخالفة للاتفاق السياسي.
خطاب المنفي لعقيلة والذي سبب حالة من التراشق بين أنصار الطرفين، جاء في ظل تزايد وتيرة السجال السياسي حول ما يعد له في طرابلس من مخطط لتنظيم استفتاء شعبي إلكتروني حول شرعية مجلسي النواب والدولة.
ويرى مراقبون أن الأزمة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب دخلت مرحلة اللاعودة، وأن أي خطوة قد يقطعها المنفي لنزع الشرعية عن البرلمان، ستؤدي إلى خطوة مقابلة من المنتظر أن تزيد من مستويات الانقسام السياسي، ومن الإعلان رسميا عن إقامة نظام فيديرالي وفق ما كان معتمدا في دستور 1951.
واعتبر المنفي في خطابه، أن مجلس النواب يحاول الهيمنة المستمرة على السلطة القضائية، من خلال أداة التشريع في غياب النصاب الدستوري والقانوني عن جلسات البرلمان، وانعدام الشفافية والإفصاح.
وأكد رفضه إدخال مجلس النواب بتعديلات غير مبررة على القوانين المنظمة للسلطة القضائية، والتعدي على اختصاصات تنفيذية واختصاص النشر بالجريدة الرسمية.
كما شدد المنفي على أن البرلمان لا يملك الولاية القانونية والشرعية لإنشاء المحكمة الدستورية التي تختص بطرح الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على الشعب في دستور دائم.
من جهتها، دعت حكومة البرلمان برئاسة أسامة حماد مكتب النائب العام إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المجلس الرئاسي بعد مطالبة الأخير بإلغاء القانون رقم 5 لسنة 2023 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية، معتبرة أن المجلس منتهي الولاية.
وقالت الحكومة، في بيان لها، إن كتاب الرئاسي الموجه إلى النواب، والذي اعترض فيه على قانون المحكمة الدستورية تضمن جملة من المغالطات والتناقضات، إذ إن هذا القانون صدر من جهة تشريعية مختصة، ويرسخ رقابة الدستور على كل القوانين والتشريعات في مؤسسة قضائية مستقلة عن القضاء العادي.
واعتبرت حكومة حماد أن المجلس الرئاسي لم ينجز المهام المحددة الممنوحة له وأهمها ملف المصالحة الوطنية، مؤكدة أن الرئاسي أمعن واستمر في ارتكاب تصرفات من شأنها زعزعة الأوضاع وخلق الفوضى من خلال التشكيك في شرعية استمرار مجلس النواب.
وفي سياق التراشق، اتهم عدد من أعضاء مجلس النواب، المجلس الرئاسي بعدم الحياد، مؤكدين أنه لم يعد مؤهلاً لتولى ملفات حيادية كالمصالحة الوطنية وتوحيد المؤسسات الأمنية.
وأفاد النواب في بيان لهم على خلفية خطاب المنفي إلى عقيلة، بأن مجلس النواب صوّت بالإجماع في أغسطس الماضي بانتهاء ولاية الرئاسي، وبالتالي لم يعد المنفي يملك صفة الرئيس، ولم تعد له أي شرعية.