أفادت صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية بأن ليبيا أصبحت برميل بارود يشتعل بمرور الوقت، تهدد مصالح أوروبا، بسبب أزمة المصرف المركزي وإغلاق النفط، ومن ثمّ عدم قدرة البلاد على الوصول إلى نظام سويفت العالمي.
وتناولت الصحيفة في مقال تحليلي لأحد كتابها المختص في الشأن الاقتصادي، إشكالية تجميد احتياطيات ليبيا من العملة الأجنبية بقيمة 84 مليار دولار، فضلا عن عدم الوصول إلى إيرادات مبيعات النفط التي تراجعت بشكل حاد أيضًا.
وأشارت إلى انطلاق في العاصمة الإيطالية روما، أمس الإثنين، النسخة الثانية من “قمة ليبيا للطاقة والاقتصاد”، بمشاركة العديد من الشركات التابعة لمؤسسة النفط وشركات القطاع الخاص الرائدة من البلدين.
ورأى الكاتب أن انعقاد القمة رمز للفوضى العالمية، لاسيما أنَّ المشاركين يتحدثون عن اقتصاد دولة انقطعت عن نظام المدفوعات العالمي لمدة شهر، مبينا أن ليبيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات النفط الخام في أفريقيا، وجدت نفسها خلال نفس الفترة الماضية مشلولاً بسبب الأحداث الأخيرة.
وذكر أنه في قمة روما سيناقش المديرون المشاريع المستقبلية، وكأن البلاد ليست على طريق حرب جديدة، موضحا أن ليبيا تعاني من ضغوط مالية متزايدة، مع اقترابها من نقطة الانهيار، حيث تهدد بإطلاق العنان لموجة جديدة من المهاجرين في البحر المتوسط، لتكون بمثابة اختبار لقدرة الغرب على احتواء الفوضى العالمية باستخدام قوة المال والنظام الدولي الذي تتدفق من خلاله الأموال.
ونشر المحلل صورة من رسالة إلكترونية لمحافظ المصرف المركزي المكلف من المجلس الرئاسي عبدالفتاح عبدالغفار لـ سويفت يتحدث خلالها أنه المحافظ الجديد، وأنه يتمتع بالتوقيع السيادي على العمليات المالية للبلاد، مبينا أن الرسالة مؤرخة في 26 أغسطس، لكنها ظلت دون إجابة منذ ذلك الحين، سويفت صامت وعبدالغفار معلق ومعه ليبيا كلها.
ولفت المحلل إلى تأثير الانقطاع عن نظام سويفت، وهي شبكة مملوكة إلى حد كبير لبنوك غربية كبيرة، بالإضافة إلى بنك الصين، والتي تسمح بالمدفوعات المتبادلة بين الشركات المالية في السوق الدولية.
وأوضح أن لدى ليبيا احتياطيات من العملات الأجنبية تبلغ 84 مليار دولار، وكلها تقريبًا موجودة في الخارج، مودعة بين بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وبنك سيتي بنك الأميركي والمنصتين الماليتين كليرستريم في لوكسمبورغ ويوروكلير في بروكسل.
وأضاف أن أصول ليبيا لا تخضع لعقوبات مثل العقوبات المفروضة على روسيا، لكن حقيقة أن حكومة الولايات المتحدة وبالتالي سويفت لا تعترف بشرعية المحافظ الجديد تعني أن المصرف المركزي الليبي فقد القدرة على الوصول إلى ودائعه.
وضرب المحلل مثالاً للنهب المنهجي الذي تتعرض له ليبيا، فقد كان الاحتياطي الأجنبي 90 مليار دولار في العام 2011، مودعة بين إنتيسا سان باولو، ويونيكريديت، وبي إن بي باريبا، وسبعة أو ثمانية شركات أوروبية كبرى أخرى، فبعد 13 عامًا انخفض الاحتياطي، رغم تصدير النفط بحوالي 23 مليار دولار سنويًا بالإضافة إلى الغاز.
وتطرق المحلل الإيطالي إلى حالة الانقسام التي تسيطر على ليبيا، مؤكدا وجود تنافس شرس بين عائلتي حفتر والدبيبة للاستيلاء على موارد ليبيا لمصلحتهم الخاصة، مرجعا الإطاحة بالصديق الكبير إلى محاولة الدبيبة مواكبة حفتر في عملية إثراء نفسه وعائلته، معتبرا أن تراكم موارد الدولة من قبل الطرفين يهيئ توازنًا مسلحًا محتملاً في الحسابات بينهما.
وبيّن أن المشكلة الحالية هي أن تعليق سويفت ليس نتيجته الوحيدة فقدان السيطرة على الاحتياطيات البالغة 84 مليار دولار، خاصة أن البنوك الدولية لم تعد تتعامل مع البنوك الليبية، وبالتالي لم تعد ليبيا قادرة على تحصيل عائدات بيع النفط والغاز، لكن المشكلة الأكبر أنه لم تعد البلاد قادرة على دفع أي شيء في الأسواق الدولية، وبالتالي لم تعد قادرة على استيراد المواد الغذائية، ولا الوقود المكرر، أو الأدوية.
وحذر الكاتب من أنه إذا لم يتغير شيء ما، فسيبدأ نقص الغذاء بشكل خطير في الشهر المقبل ولن يتمكن الناس من علاج أبسط الأمراض، في هذا السيناريو، ستكون مسألة وقت فقط قبل أن يعتمد بعض مئات الآلاف من المهاجرين الأفارقة أو اللاجئين السوريين في البلاد على المهربين لمحاولة الوصول إلى أوروبا.
وتابع الكاتب أنه وسط هذا التعقيد، فإن حفتر لا يقف مكتوف الأيدي بينما يفكر في خطط حصار جديدة لطرابلس، معولاً أيضاً على تشتيت انتباه الغرب في خضم الأزمات في أوكرانيا وحول إسرائيل، من خلال مواصلة الاستيلاء على الموارد الطبيعية للبلاد لتحقيق مكاسب خاصة.
وأشار الكاتب إلى تحركات شركة غامضة تدعى Arkenu Oil، ومقرها في بنغازي، تقوم بشحن ناقلة النفط Marah Poseidon بالنفط الخام الخاص بها المستخرج من حقلي السرير ومسلة، باتجاه ميناء تريستا، وهذه الشحنة الثالثة على التوالي التي تبلغ مليون برميل، بعوائد 240 مليون دولار.