أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية تقريرها العالمي للعام 2024 بشأن ليبيا، موضحة أن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الجماعات المسلحة والميليشيات لا تزال متفشية.

وأضافت المنظمة، في تقريرها، أن النخب السياسية ومجموعة متنوعة من الكيانات الشبيهة بالسلطة تتنافس على الشرعية والسيطرة على الأرض، بعد نحو 12 عاما على الانتقال السياسي في ليبيا.

وذكرت أن السلطات في شرق ليبيا وغربها تقمع أنشطة الجماعات المدنية، حيث تتضايق الموظفين المحليين في المنظمات غير الحكومية وأحيانا تحتجزهم وتحاكمهم، وتضع العراقيل أمام غير الليبيين للحصول على تأشيرات الدخول.

في 10 سبتمبر، ضربت عاصفة ضخمة (العاصفة دانيال) شرق ليبيا، وأثرت بشكل رئيسي على مدينة درنة، وأسفرت عن مقتل 4,352 شخصا (وفيات مؤكدة) حتى 31 أكتوبر، وأبلِغ عن فقدان 8,500 ونزوح 43,400، وفقا لـ “الأمم المتحدة”.

كان السبب المباشر لسقوط الكثير من الضحايا وغالبية الأضرار هو فيضان المياه بعد انهيار سدَّيْن، مما أدى إلى جرف الأحياء إلى البحر المتوسط، ودعت جماعات ليبية إلى إجراء تحقيق دولي مستقل في مزاعم عدم إجراء السلطات صيانة وقائية للبنية التحتية، وعدم إجلائها التجمعات السكانية المعرضة للخطر.

العمليّة السياسية والانتخابات
تواصل إدارتان التنافس على السيطرة في ليبيا: “حكومة الوحدة” ومقرها طرابلس، برئاسة عبد الحميد دبيبة، و”حكومة الاستقرار” الموازية في شرق ليبيا، التي أنشأها برلمان طبرق شرق البلاد.

وأفاد التقرير بأن الانتخابات ما تزال بعيدة بسبب اختلاف السلطات المتنافسة حول تعديلات الإعلان الدستوري لعام 2011 فيما يتعلق بالانتخابات، ولم يصوت الليبيون في انتخابات رئاسية أو برلمانية منذ 2014، عندما أدى التصويت المتنازع عليه إلى انقسام في الحكم ونزاع.

النزاع المسلح وجرائم الحرب
أدى القتال في طرابلس يومي 14 و15 أغسطس بين مجموعتين مسلحتين رئيسيتين، إحداهما مرتبطة بوزارة الداخلية التابعة لحكومة الدبيبة والأخرى تابعة لوزارة الدفاع، إلى مقتل 55 شخصا على الأقل وإصابة أكثر من 100 آخرين، من بينهم عدد غير معروف من المدنيين، وفقا للأمم المتحدة.

أدت الاشتباكات في أبريل بين الجماعات المسلحة المتنافسة في الزاوية إلى مقتل أربعة مدنيين على الأقل، وفي مايو، أفادت تقارير أن اشتباكات متجددة هناك أدت إلى مقتل شخصين.

حتى مارس، أجلت “كتيبة طارق بن زياد” و”الكتيبة 20/20″ التابعة لـمليشيات المواطن الأمريكي خليفة حفتر، الجماعة المسلحة التي تسيطر على شرق ليبيا وجزء كبير من جنوبها، قسرا بعد مهلة قصيرة أكثر من 200 ألف من سكان بنغازي وأجبرتهم على التخلي عن ممتلكاتهم أو وثائق ملكيتهم دون خطة تعويض مناسبة للسكان، وفقا لـ 6 خبراء من الأمم المتحدة و “فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي”.

وقال الخبراء إن عناصر الكتيبتين هدموا عشرات الوحدات السكنية، بما فيها أحياء تاريخية ومواقع تراثية محمية في وسط بنغازي لإفساح المجال أمام مشاريع تطوير المباني السكنية والتجارية الجديدة، واعتقلوا لفترة وجيزة عدد من السكان واثنين على الأقل من النشطاء الذين احتجوا على عمليات الإخلاء.

في ترهونة، فُقد المئات بين 2014 و2020 عندما سيطرت مليشيا الكانيات بقيادة أفراد من عائلة الكاني على البلدة، واصلت “الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين” التعرف على رفات مئات الأشخاص عُثر عليها في مقابر جماعية بالمنطقة. حتى 31 أكتوبر، لم تبدأ أي محاكمة للأشخاص المزعوم تورطهم في عمليات القتل والاخفاء.

بعد ثلاث سنوات من اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى نزاع طرابلس 2019-2020، بقيت في ليبيا قوات تركية وقوات عسكرية أخرى، بما يشمل آلاف المقاتلين الأجانب من تشاد والسودان وأماكن أخرى، وعناصر شركات الأمن الخاصة، بما فيها “مجموعة فاغنر”.

النظام القضائي والمحتجزين
ظل نظام العدالة الجنائية الليبي ضعيفا ويثير مخاوف كبيرة بشأن الإجراءات الواجبة، ظلّ القضاة والمدّعون العامون والمحامون عرضة لمضايقات الجماعات المسلّحة وهجماتها، استمرت المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين.

في 6 ديسمبر، صوّت مجلس النواب لإنشاء محكمة دستورية في بنغازي، رغم عدم وجود دستور دائم ودون موافقة أصحاب المصلحة الرئيسيين، بما فيه “المجلس الأعلى للدولة”، وفي يونيو، قضت المحكمة العليا الليبية بعدم دستورية القانون المنشئ للمحكمة الدستورية.

يوجد 28 سجنا رسميا تحت إشراف وزارة العدل تضم 19,103 أشخاص، بينهم 216 امرأة، حتى 5 مايو، حسب “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا”. يُحتجز كثيرون آخرون لفترات طويلة دون محاكمة، في سجون تديرها الميليشيات، ولا تخضع إلا للسيطرة الاسمية للسلطات. تنتشر الظروف اللاإنسانية، بما فيها الاكتظاظ الشديد والتعذيب وسوء المعاملة، في هذه المرافق.

العدالة الدولية
تابع المدعي العام لـ”المحكمة الجنائية الدولية” كريم خان التحقيق في ليبيا.

في مايو، أعلن خان في “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” (مجلس الأمن) أن قضاة المحكمة الجنائية الدولية أصدروا أربع مذكرات اعتقال سرية جديدة ضد أفراد بسبب جرائم خطيرة في ليبيا، وأنه تقدم بطلب لإصدار مذكرتين أخريين.

في نهاية ولايتها في مارس، توصلت “البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا” الأممية (بعثة تقصي الحقائق) في تقريرها النهائي إلى أن هناك “أسبابا معقولة للاعتقاد بأن جرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت ضد الليبيين والمهاجرين في جميع أنحاء ليبيا في سياق الحرمان من الحرية”.

وجدت البعثة أيضا أن الاعتقالات التعسفية والقتل والتعذيب والاغتصاب والاسترقاق والاسترقاق الجنسي والقتل خارج نطاق القضاء والإخفاء القسري منتشرة على نطاق واسع. تعهدت السلطات الليبية عام 2022 في “مجلس حقوق الإنسان” باستخدام نتائج وتوصيات بعثة تقصي الحقائق كأساس للتقارير المستقبلية المقدمة إلى المجلس وهيئات المعاهدات، وفقا لتقرير البعثة النهائي.

حرية التعبير
بعد الفيضانات، وبعد مظاهرة نظمها سكان درنة في 18 سبتمبر للمطالبة بإجراء تحقيق دولي في أسباب الفيضانات ومحاسبة المسؤولين المهمِلين، اعتقلت جماعات مسلحة تابعة لجهاز الأمن الداخلي الشرقي خمسة سكان على الأقل من المتظاهرين من درنة واحتجزتهم، بحسب نشطاء.

وفي 19 سبتمبر، أمرت قوات حفتر معظم المؤسسات الإعلامية والصحفيين بمغادرة درنة، مما أثار مخاوف بشأن التعتيم الإعلامي على عملية الإغاثة.

في 2 أكتوبر، اعتقل جهاز الأمن الداخلي في بنغازي فتحي البعجة، الأستاذ الجامعي والعضو السابق في المجلس الوطني الانتقالي لعام 2011، مع الناشطَيْن السياسيَيْن سراج دغمان وطارق البشاري، بعد نقاشات في ندوة حول تداعيات انهيار سدّي درنة. حتى 1 نوفمبر، بقيا محتجزين دون أي اتهامات رسمية.

حقوق المرأة، والتوجه الجنسي، والهوية الجندرية
في مايو، بدأ جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، بمطالبة النساء الليبيات المسافرات دون مرافق ذكر بملء استمارة مفصلة حول أسباب سفرهن وسفرهن السابق، وهو ما لا يشترطه القانون الليبي وينتهك حقوق المرأة في المساواة وحرية التنقل.

وتفتقر ليبيا إلى قانون للعنف الأسري يحدد تدابير لمنع العنف الأسري، ومعاقبة المعتدين، وحماية الضحايا. يسمح قانون العقوبات بتخفيف عقوبة الرجل الذي يقتل أو يصيب زوجته أو قريبة أخرى لأنه اشتبه في أنّها تقيم علاقات جنسية خارج الزواج. يسمح أيضا لمرتكبي الاغتصاب بالإفلات من المحاكمة إذا تزوجوا من ضحاياهم.

يميز قانون الأحوال الشخصية الليبي ضدّ المرأة في مسائل الزواج والطلاق والميراث. كما يُميّز قانون الجنسية لسنة 2010 بالسماح للرجال الليبيين فقط بمنح الجنسية الليبية لأولادهم، ويلزم النساء بالحصول على موافقة السلطات قبل الزواج من رجل غير ليبي.

يحظر قانون العقوبات جميع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بما في ذلك السلوك المثلي بالتراضي، ويعاقب مرتكبها بالجلد والسجن لفترة تصل إلى خمس سنوات.

النازحون داخليا
حتى أغسطس، كان هناك 125,802 نازحين داخليا في ليبيا بحسب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. يشمل هؤلاء الآلاف من سكان تاورغاء السابقين، الذين طردتهم الجماعات المناوئة للنظام الجماهيري من مصراتة في 2011 ولم يتمكنوا من العودة بسبب الدمار المتعمّد للمدينة وندرة الخدمات العامة هناك. من بينهم أيضا آلاف العائلات التي أجلتها قسرا قوات حفتر من بنغازي وأجدابيا ودرنة منذ 2014.

حتى 31 أكتوبر، ما يزال 43,421 شخصا آخرين نازحين، من بينهم 16 ألف طفل، بسبب تأثير العاصفة دانيال على شمال شرق ليبيا.

المهاجرون، واللاجئون، وطالبو اللجوء
وفقا لـ “المنظمة الدولية للهجرة”، عثُر على 947 شخصا ميتا، وفُقد 1,256 آخرين في البحر على طريق الهجرة وسط البحر المتوسط بعد مغادرتهم ليبيا بين 1 يناير و25 نوفمبر.

وفقا للمنظمة الدولية للهجرة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حتى أبريل، كان هناك 705,746 مهاجرا، وحتى أكتوبر، كان هناك 50,986 طالب لجوء ولاجئ مسجلين.

حتى يوليو، طردت قوات الأمن التونسية جماعيا أكثر من 900 مهاجر وطالب لجوء أفريقي إلى منطقة عازلة عسكرية نائية على الحدود التونسية الليبية. نُقل أكثر من 150 شخصا إلى ليبيا، حيث واجهوا الاعتقال التعسفي والترحيل.

الأطراف الدولية الرئيسية
أعلنت السلطات الأمريكية في 12 ديسمبر 2022، أنها احتجزت أبو عجيلة محمد مسعود خير المريمي، المسؤول السابق في حكومة القائد الشهيد معمر القذافي، واتهمته بالتواطؤ في إسقاط رحلة “بان أمريكان رقم 103” عام 1988 فوق بلدة لوكربي الأسكتلندية، حيث قُتل 270 شخص.

وفي 25 يناير، عينت محكمة أمريكية محاميا عاما فيدراليا كمحامي للمريمي، وفي 8 فبراير، دفع بأنه غير مذنب في التهم الرسمية المتعلقة بتدمير طائرة والتسبب بالوفاة. حتى 31 أكتوبر، لم تبدأ المحاكمة.

أعلن النائب العام عن إجراء تحقيق في نقل المريمي إلى عهدة الولايات المتحدة، دون أن يكون لديه مذكرة توقيف معلقة في ليبيا.

واستمر “الاتحاد الأوروبي” في التعاون مع قوات خفر السواحل الليبية المنتهِكة من خلال توفير الدعم المادي والتقني والمراقبة الجوية لمساعدتها في اعتراض المهاجرين المتجهين إلى أوروبا في البحر وإعادتهم إلى ليبيا.

وفي فبراير، سلّمت إيطاليا إلى خفر السواحل سفينة بحث وإنقاذ دفع ثمنها “الاتحاد الأوروبي”، ووعدت بأربع سفن أخرى، مُعمّقة بذلك تواطؤ الاتحاد الأوروبي في انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها تلك الجهة.

Shares: