تحصلت صحيفة صدى الاقتصادية على وثائق تقديم بلاغ إلى النائب العام، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس جهاز الأمن الداخلي، ورئيس جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية، وسفير ليبيا بدولة تركيا، بشأن واقعة توريد المكتب الصحي بالسفارة الليبية بأنقرة لأدوية مغشوشة ومجهولة الهوية لمرضى الأورام الموفدين للعلاج بالمستشفيات بإسطنبول.
ورد بلاغ للمكتب الصحي من مستشفى غازي عثمان باشا في 28 مارس 2024، بشأن قيام الصيدلية المتعاقد معها من قبل المكتب الصحي “صيدلية طبيبك” بتوريد أدوية لمرضى الأورام الليبيين غير صالحة للاستخدام باعتبار أنها مجهولة الهوية وغير معتمدة بوزارة الصحة التركية ولا تحمل الباراكود الخاص بالأدوية.
وتكررت هذه الواقعة يومي 7 و8 مارس 2024م، وقد رفض المستشفى حقنهم بهذه الجرعات حرصا على حياتهم، فهذه الأدوية المرفوضة تعد تهديدا حقيقيا لسلامتهم، وهم بالأساس مهددون طبيا بهذا المرض، وقد شمل هذا البلاغ توريد أدوية مغشوشة للمرضى (خولة بشير طاهر والي وسميرة سالم ميلاد أبونواره وبنينة علي الغزالي السبيعي وونيس محمد إبراهيم بن حميد ومصطفي محمد الزاوي ومسعودة الجالي علي علي وخالد شعيب ارحيم العبيدي).
واستلم المكتب الصحي في تاريخ 15 أبريل 2024 شكوى من المريض طاهر اسميو وهو أحد مرضى الأورام الذين يتم علاجهم في مستشفى آخر، وهو مستشفى ميديبول، بشأن استلامه دواء مجهول الهوية ودون رقم آلي، وتم توريده وصرفه من نفس الصيدلية المذكورة، وقد رفض استلامه بمبادرة شخصية منه، حيث لم يتخذ المستشفى بخلاف مستشفى غازي عثمان باشا الذي رفض الأدوية ولا مندوبين المكتب الصحي المتابعين لحالات المرضى أي إجراء بشأن هذا الدواء.
وتكشفت هذه الجريمة بدايةً بالكتاب المشار له آنفاً والصادر عن رئيس وحدة الشؤون الطبية بالمكتب الصحي وهو أحد أهم المسؤولين عن هذه الجريمة التي من ضمن أطرافها (شركة طبيبك)، وهي الجهة التي تعاقد معها المكتب الصحي لتوريد جرعات الدواء الكيماوي لمرضى الأورام الموفدين للعلاج بدولة تركيا،
وتعاملت عدة شركات مختلفة، مع المكتب الصحي بمسميات مختلفة يجمعها لفظ “طبيبك”، وتعود ملكيتها جميعا لنفس الشخص وهو المدعو عبد المطلب الهادي الزروق، ليبي الجنسية، وبحسب ما ذُكر وبالوثائق هو أحد الأسماء المرتبطة بإحدى التشكيلات المسلحة الأفلة من مدينة طرابلس، ولعل ذات التشكيل هو الذي استعان به رئيس المكتب الصحي للإطاحة بسلفه من خلال ابتزاز مسؤولي وزارة الخارجية وإرغامهم على استدعائه لطرابلس لأسباب واهية، فيكون تعاقد رئيس المكتب الصحي مع هذه الشركة من باب رد الجميل لمن مكنه من تولي هذه الوظيفة.
وأما عن مسميات هذه الشركات فقد وردت بعدة أشكال، أولها شركة طبيبك في حلتها الأولى، وقد جاءت تحت مسمى “TABIBAK MEDIKAL HIZMETLER IC VE DIS TICARET سيركيت محدودة” وهذه الشركة تم تأسيسها بتاريخ 2023/يونيو/16م مقرها في مدينة اسطنبول ورأس مالها 300 ألف ليرة أي ما يعادل 10 آلاف دولار “يعني رأسمال أي محل لبيع الخضار يفوق رأسمال هذه الشركة حسب السجل التجاري رقم (465971-5) علماً بأن أسمها في العرض المقدم لرئيس المكتب باللغة العربية (شركة طبيبك للخدمات الصحية .
وفي حُلتها التانية سُميت “TABIBAK ECZA DEPOSU
SANAYI VE TICARET” حسب ما هو وارد في العقد المبرم مع رئيس المكتب الصحي، علماً بأن سجلها التجاري يحمل الرقم (468010)، ومقرها في مدينة أنقرة، وحُلتها الثالثة “TABIBAK PHARMA ECZA DEPOSU TICARET LIMITED SIRKETI” وذلك وفقا لما هو وارد في المطالبات المالية الخاصة بالشركة والمقدمة للمكتب الصحي، وهذه الشركة تم تأسيسها بتاريخ 7 ديسمبر 2023م حسب السجل التجاري رقم (5-494962)، ومقرها في مدينة إسطنبول ورأس مالها 400 ألف ليرة تركية، أي ما يعادل 13 ألف دولار “يعني رأسمال أي محل لبيع العطارة يفوق رأسمال هذه الشركة.
علما بأن مخاطبات رئيس المكتب الصحي الموجهة للمراقب المالي للصرف هي أيضاً تغيرت، فبعد أن كانت تذكر تحت مسمى شركة طبيبك في مخاطبات رئيس المكتب الصحي أصبحت تذكر تحت مسمى صيدلية طبيبك، كما أن المكتب الصحي تلقى عرض من شركة فوافق عليه، ثم تعاقد مع شركة أخرى ليست هي صاحبة العرض، ثم نفذ العقد مع شركة ثالثة يتم تسديد القيم المالية لصالحها ليست هي لا بالأولى ولا الثانية في سابقة غريبة، ولا يخفى على أحد أن كل هذه المتاهات والتلاعب بالمصطلحات والتحايل ما هو إلا وسيلة لإخفاء بيانات الشركة ولمن تعود ملكيتها وعلاقته بالمسؤولين بالسفارة الليبية بتركيا وعلى رأسهم رئيس المكتب الصحي هذا عن ماهية الشركة.
وفي واقعة تجسد تواطؤ عدد من المسؤولين بالسفارة الليبية بتركيا كرئيس المكتب الصحي وغيره تم دفع مبلغ 15 مليون ليرة تركية، أي ما يعادل نصف مليون دولار لهذه الشركة كدفعة على الحساب بموجب إذن صرف يحمل رقم 1/9 ومؤرخ في 2024/يناير/24م “طبعاً هذا الرقم لا علاقة له ولا يتناسب مع رأسمال الشركة”، دون أن يسبق ذلك مراجعة واعتماد للفواتير المقدمة من الشركة من قبل الجهة المكلفة من الدولة الليبية بتدقيق فواتير الخدمات العلاجية “شركة الشفاء للتدقيق الطبي والمراجعة”، حيث يشترط لدفع أي قيمة لأي مزود للخدمة اعتماد شركة المراجعة للفواتير المقدمة من قبله.
وبناء على العقد المبرم بتاريخ 2022/07/05م بين السفارة الليبية بتركيا وشركة الشفاء للتدقيق الطبي كلفت هذه الأخيرة مراجعة بفحص وتدقيق فواتير المكتب الصحي من جميع النواحي الطبية والإدارية والمالية، وتبعاً لذلك غلت يد أي مسؤول بالسفارة عن دفع أي مبلغ لأي جهة ما لم يتم اعتماد الفواتير من قبل هذه الشركة، وبعد صرف هذه القيمة تمت إحالة فواتير شركة طبيبك لشركة التدقيق الطبي للمراجعة والاعتماد عدد 191 مريضا – بمجموع 242 فاتورة) وهنا كانت المفاجأة من العيار الثقيل فبتاريخ 2024/02/19م صدر تقرير شركة الشفاء للمراجعة والتدقيق الطبي رقم (H-Tabi-1-2-24) وقد تم بموجبه رفض جميع فواتير شركة طبيبك المحالة للمراجعة والاعتماد، وذلك لأسباب عديدة تُجسد منظومة الفساد التي تسكن المكتب الصحي بتركيا.
ومن تلك الأسباب إن تاريخ ترخيص الشركة الذي يسمح لها بمزاولة هذا النشاط هو 7 ديسمبر 2023 في حين أن تعاقد المكتب الصحي معها قد سبق ذلك بكثير وأن جزء كبير من الفواتير المحالة للتدقيق صدر قبل هذا التاريخ مما يوجب رفضها، كما يوجب مساءلة السفارة الليبية حول كيفية التعاقد مع جهة لا تحمل ترخيصاً بمزاولة النشاط، وإن جميع الفواتير غير مسجلة بمنظومة وزارة المالية التركية “تعتبر مزورة.