تناول الباحث السياسي حافظ الغويل، الانتهاكات التي تتعرض لها ليبيا من قبل القوى العظمى، مبينا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يستخدم الآن ليبيا كنقطة انطلاق لوضع الغواصات الروسية في وسط البحر الأبيض المتوسط ووضع الأسلحة النووية على الجانب الجنوبي لأوروبا.

 

وأوضح الغويل، في تحليل له بصحيفة تونس تليجراف، أن سعي روسيا لوجود بحري في المنطقة الشرقية الليبية، والمرجح أن يتوج بقاعدة لغواصاتها النووية، يوفر لموسكو أكثر من مجرد موقع استراتيجي يتطلع إلى الاتحاد الأوروبي بأكمله.

 

وأضاف أن بوتين يواصل توسيع نفوذ بلاده في أفريقيا، مشيرا إلى تحذير إنريكو بورغي عضو لجنة الاستخبارات بالبرلمان الإيطالي، مؤخرًا من أن اهتمام روسيا بطبرق في ليبيا ليس لغزًا، وهو ما يمكن أن يكون مقدمة لإرسال غواصاتها النووية إلى هناك، مثلما أرسل الاتحاد السوفييتي صواريخه إلى كوبا في عام 1962.

 

وتابع أنه من الواضح أن وجود غواصات على بعد بضع مئات من الكيلومترات من دول الناتو لن يكون مفيداً للأمن، قائلا: في ضوء ذلك، فإن تحرك واشنطن لإعادة فتح سفارتها في ليبيا بعد عقد من تعليق عملياتها في البلاد أمر مهم.

 

ورأى أن الوجود الروسي القوي في ليبيا لا يشكل تهديدًا أمنيًا لحلف شمال الأطلسي وأوروبا فحسب، بل إن موقع ليبيا الجغرافي، الذي يربط النيجر وتشاد والسودان بشمال إفريقيا وأوروبا، يجعلها ذات أهمية استراتيجية حيوية.

 

  • وأشار إلى تنامي الدور الروسي في ليبيا بشكل كبير، إلى جانب الوجود العسكري المتطور الذي تجلى في تسليم الإمدادات العسكرية مؤخرًا إلى ميناء طبرق، حيث شهدت هذه المدينة الشرقية الاستراتيجية وصول المركبات المدرعة والأسلحة والمعدات، وهي الشحنة الخامسة من نوعها خلال فترة وجيزة، مما يدل على حشد منهجي.

 

وذكر أن الشحنة وما تنطوي عليه ليست تطوراً معزولاً ولكنها جزء من نمط روسي أوسع لإقامة وجود عسكري دائم يشبه موقفها المستمر منذ عقد من الزمن في سوريا، ويشكل مثل هذا التوسع تحديا مباشرا للجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.

 

وأفاد الغويل، بأن الترسيخ في ليبيا أيضًا يعد بمثابة بوابة لتحقيق اختراقات أعمق في إفريقيا، حيث تستغل موسكو بذكاء فراغ الشراكة، وتقدم للأنظمة الإفريقية تعاونًا عسكريًا واقتصاديًا خاليًا من الارتباطات المشروطة التي يفضلها الرعاة الغربيون.

 

وواصل: علاوة على ذلك، فإن سعي روسيا لوجود بحري في المنطقة الشرقية لليبيا، والذي من المرجح أن يتوج بقاعدة لغواصاتها النووية، يوفر لموسكو أكثر من مجرد موقع استراتيجي يتطلع إلى الاتحاد الأوروبي بأكمله.

 

وأشار إلى تغير قواعد اللعبة التي تمارسها موسكو في ليبيا عن الدمج المعتاد بين المشاركة العسكرية والنفوذ السياسي في ليبيا، والذي تم تسهيله جزئيًا من خلال التحالف مع الرجل القوي الإقليمي خليفة حفتر.

 

واسترسل بأن قرار واشنطن بإعادة تأسيس وجود دبلوماسي في ليبيا هو محاولة استراتيجية تهدف إلى مواجهة الوجود الروسي المتزايد، مع تعزيز بعثة الدعم التابعة للأمم المتحدة في الوقت نفسه.

 

وقال الغويل، إنه من خلال إعادة ترسيخ بصمة دبلوماسية مادية في ليبيا، تتخذ الولايات المتحدة موقفاً استباقياً نادراً يحمل عواقب عميقة على صعود روسيا، ومن شأن المنشأة المخطط لها في طرابلس أن تسهل المراقبة عن كثب والقدرة على تحدي الروايات الروسية وتأثيرها على الأرض.

 

وأردف بأن إعادة الدبلوماسيين الأمريكيين إلى ليبيا ليست مجرد عمل رمزي، وسوف يسمح بالمشاركة المستمرة مع الجهات الفاعلة الليبية للحفاظ على العلاقات الرئيسية وتطوير فهم قوي للديناميكيات المحلية التي غالبًا ما تستعصي على الدبلوماسية البعيدة.

 

وأكد أن “ليبيا الآمنة والمستقرة” تتشابك بشكل عميق مع المصالح الأوسع التي، عندما تتم إدارتها بعناية، سوف تساعد في تحصين البلاد من المد المتصاعد من عدم الاستقرار الذي يمكن أن يقوض انتقالها إلى عصر ما بعد الشلل.

 

ورأى أنه لتحقيق السلام المستدام، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا الاستفادة من الضغوط الدبلوماسية وتطوير استراتيجيات فعّالة لاقتلاع الاقتصادات السياسية للجهات الفاعلة الهجينة في ليبيا والتي تشكل مفتاحاً لاستمرارها.

 

بالإضافة إلى ذلك، تعد المشاركة الغربية أمرًا بالغ الأهمية لدعم التسوية السياسية التي تتوسط فيها الأمم المتحدة بين الجهات الفاعلة الليبية، من خلال توفير بيئة مواتية لعمليات انتخابية شفافة وتوزيع عادل للموارد.

 

وأوضح أن المشاركة الاستراتيجية تشمل الاعتراف بالسيادة الليبية وتسهيل المصالحة الوطنية من خلال المبادرات التي تعكس المبادئ “التي يملكها الليبيون ويقودونها”، والتي تعتبر أساسية لنهج الأمم المتحدة والتي أكد عليها الليبيون أنفسهم.


واختتم الغويل بقوله إن الجهود الرامية إلى إنشاء آليات وطنية شاملة للإدارة الشفافة والعادلة لثروات ليبيا ومواردها يجب أن تسير بالتوازي مع الوساطة السياسية.

ولذلك، فإن الجهود المركزة على التكامل الاقتصادي، والمساءلة، وإعادة تأهيل النسيج الاجتماعي الممزق في ليبيا، بدعم غربي، ستكون حاسمة في استعادة الاستقرار في ليبيا.


Shares: