تمثل قضية تهريب الوقود، والمواد الغذائية، أحد أكبر القضايا الأمنية التي تواجه البلاد، في ظل تراجع السيطرة الأمنية في كثير من المناطق، وانفتاح الحدود الذي يصل إلى أكثر من أربعة آلاف كيلو متر، وغياب الاستقرار السياسي عن كثير من دول الجوار لاسيما على الامتداد الجنوبي للبلاد، وهو ما يجدد التساؤلات حول أسباب تفاقم مشكلات التهريب، وأسباب عجز الأجهزة الأمنية عن مواجهة مثل هذه العصابات.
خسائر متنامية وتجارة مزدهرة
تخسر الدولة الليبية مئات الملايين سنويا بسبب عمليات التهريب، وعلى الرغم من بذل السلطات الليبية جهودا مضنية لمواجهة هذه المشكلة إلا أن تقارير دولية تشير إلى المشكلة في تزايد مستمر، خصوصا على الامتداد الجنوبي في البلاد.
في سبتمبر الماضي أعلنت منظمة الأمم المتحدة في تقرير لها أن عمليات تهريب الوقود، تحولت لتجارة مزدهرة ومستمرة، مؤكدة أنها تتم من مناطق كثيرة في شرق البلاد وغربها.
وليس هذا فحسب بل رصدت المنظمة الأممية ناقلات نفط تعمل على تحميل الوقود الليبي المدعوم من قبل الميزانية العامة للدولة، عبر البحر بشكل غير قانوني لصالح جهات ومجموعات مسلحة نافذة، ويصل إلى هذه المجموعات خارج البلاد.
وتخسر الدولة الليبية ما لا يقل عن 750 مليون دولار سنويا بسبب تهريب الوقود وفقا لما ذكرته منظمة «ذا سنتري» المعنية بالتحقيقات الاستقصائية، مؤكدة أن عمليات التهريب تكبد الاقتصاد الوطني خسائر فادحة، مؤكدة أنه بسبب زيادة عمليات التهريب اضطرت السلطات إلى استيراد منتجات نفطية تقدر بحوالي 19% من حجم المستورد خلال العام 2022 بسبب التهريب غير المشروع.
ثروات الليبيين تضيع في دروب التهريب
وتدعم الدولة الليبية الوقود بمبالغ ضخمة، إذ أنه وفقا لتصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، فإن نصف ميزانية البلاد تقريبا تذهب في دعم الوقود، حيث أن الدولة تشتري الوقود بنحو 3.5 دينار للتر الواحد، وتبيعه بـ 0.15 دينار.
وتقدر ميزانية دعم الوقود في البلاد بنحو 12 مليار دولار، وفق الأرقام الصادرة في العام 2022، أي بزيادة قدرها 5 مليارات دولار مقارنة بالعام 2021.
كيف تخرج شاحنات الوقود من ليبيا؟
في تصريحات تلفزيونية له اليوم الثلاثاء، كشف بشير الشيخ، منسق ما يُعرف بـ«حراك فزان»، دروب وطرق المهربين عبر الصحراء الليبية ومنها إلى الصحراء الإفريقية، مؤكدا أن مسار التهريب تنطلق من مصراتة.
وأضاف في تصريحات تلفزيونية، أن شاحنات الوقود تبدأ رحلتها نحو التهريب بداية من وصولها مستودع سبها ومنها إلى منطقة القطرون، وعبر دروب الصحراء تنطلق حتى تصل إلى مناجم التنقيب عن الذهب في دول النيجر ومالي وتشاد.
وأكد «الشيخ» أنه نجح في تصوير أعمال التنقيب عن الذهب في دول الجوار الجنوبي، مؤكدا أن العمل في هذه المناجم شرعي ومرخص من الدولة، لكن تعمل فيه شركات دولية، وهذه الشركات أنشأت تجمعات عمالية كبيرة العدد بالقرب من الحدود الليبية.
حياة شبه كاملة بمناجم التنقيب
وقدر الشيخ العاملين في بعض المناجم بحوالي 500 ألف شخص، أي ما يعني أكبر من سكان الجنوب الليبي، وهو ما يفسر الحاجة الضخمة إلى كميات الوقود المهرب، مشيرا إلى أن بعض المناجم يوجد فيها حياة كاملة، حتى أن بعضها يوجد بجوارها مستشفيات ومراكز صحية ربما لا يوجد مثيل لها في المناطق الليبية.
وأوضح أن بعض هذه المناجم قريبة جدا من الشريط الحدودي الليبي الجنوبي، خصوصا في تشاد، وهذه التجمعات العمالية لا تحتاج للوقود فقط، بل يتم تهريب كميات هائلة من المواد الغذائية أيضا لها، لافتا إلى أن عمليات التهريب تتم وفق منظومة متكاملة من البشر، وعبر منظمات عابرة للحدود.
ضعف التواجد الأمني ساعد في انتشار تجارة التهريب
تستغل المجموعات المسؤولة عن تهريب الوقود ضعف التواجد الأمني في بعض المناطق الجنوبية بسبب اتساع الصحراء وقلة عدد السكان، لتهريب ما تريد من المواد البترولية، وهو ما يفقد المواطن الليبي جزء كبير من ثرواته، ويضطره للوقوف في طوابير طويلة للحصول على جالون من البنزين، على الرغم من توافر الكميات التي يحتاجها السوق المحلي.
وفي وقت سابق ذكرت تقارير صحفية أن نقاط التهريب تتواجد في مدن الزاوية وصبراتة وزوارة، وتديرها بعض المجموعات المسلحة، التي دأبت على الإفلات من العقاب، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة إحكام قبضتها على هذه المواقع.