كشف تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية أن الاتفاق الأخير بين مجلسي النواب والدولة في ليبيا حول أربعة مناصب سيادية رئيسية، يمثل «اختبارًا جديًا» لقدرة الأطراف الليبية على تجاوز حالة الانقسام السياسي المزمن، وسط تباينات حادة حول خريطة الطريق التي ترعاها البعثة الأممية تمهيدًا لإجراء الانتخابات العامة.

وأكد التقرير أن الاتفاق الذي أُبرم الأسبوع الماضي بين ممثلين عن المجلسين شمل أربع مؤسسات سيادية هي: المفوضية العليا للانتخابات، وهيئة الرقابة الإدارية، وديوان المحاسبة، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

وأشار إلى أن هذه الخطوة عُدّت لدى البعض «اختراقًا محدودًا» لجدار الأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من عقد، فيما اعتبرها آخرون «مناورة سياسية» تهدف إلى إظهار الانسجام مع جهود الأمم المتحدة وتفادي تهميش المجلسين في المشهد المقبل.

وأضاف التقرير أن هذا الاتفاق يأتي في وقتٍ تتصاعد فيه الخلافات بين المجلسين بشأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية.

وشدد التقرير على أن التوتر بين المجلسين تفاقم بعد اعتراض مجلس الدولة على حكم المحكمة الدستورية بتحصين قرارات مجلس النواب الخاصة بترقيات القادة العسكريين، في إشارة إلى ترقية صدام وخالد حفتر في هيكل قيادة «الجيش».

وأوضح أن هذه التطورات زادت من حدة الشكوك حول فرص نجاح التفاهم الجديد، في ظل استمرار الانقسام المؤسسي بين حكومتين متنافستين في طرابلس وبنغازي.

وأبرز التقرير تصريحات عضو مجلس النواب عائشة الطبلقي التي أكدت أن «التواصل بين المجلسين لم ينقطع»، معتبرة أن التوافق حول المناصب السيادية «ثمرة لهذا التواصل» وأن الأولوية الآن لتشكيل مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات باعتباره خطوة حيوية في المرحلة الأولى من خريطة الطريق.

لكن التقرير نقل أيضًا عن نواب آخرين انتقادات لتوصيات مجلس الدولة حول القوانين الانتخابية، معتبرين أنها «تعكس أجندة إقصائية» قد تُعطل فرص التوافق.

وأشار التقرير إلى أن المرحلة الأولى من خريطة الطريق الأممية، التي عرضتها المبعوثة هانا تيتيه أمام مجلس الأمن، تتضمن حزمة إجراءات تبدأ بإقرار تعديلات تشريعية خلال شهرين تمهيدًا لتشكيل حكومة موحدة، يُعوّل عليها في ضمان انتقال سياسي سلس يفضي إلى الانتخابات.

ورجّح التقرير، نقلًا عن عضو مجلس الدولة أحمد أبو بريق، أن «أقصى ما يمكن تحقيقه هو تغيير مجلس المفوضية العليا للانتخابات»، موضحًا أن «التفاهم حول القوانين الانتخابية يبدو بعيد المنال في المدى القريب بسبب التعقيدات القانونية والسياسية المرتبطة بشروط الترشح للرئاسة».

وأضاف أن البعثة الأممية «أخطأت حين وضعت ملف القوانين الانتخابية ضمن المرحلة الأولى من خريطتها، لأنها لم تُراعِ عمق الخلافات التاريخية بين المجلسين».

وأكد التقرير أن استمرار التنازع بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة في طرابلس وأسامة حماد في بنغازي، يُعقّد المشهد أكثر، خاصة في ظل ما وصفه التقرير بـ«التنافس الخفي على السيطرة على المناصب السيادية واستخدامها كورقة نفوذ سياسي واقتصادي».

ونقل التقرير عن المحلل السياسي عبد الله الكبير قوله إن «نظام المحاصصة ورغبة بعض الأطراف في الاستحواذ على المناصب السيادية قد تعيق التقدم»، مشددًا على أن التوافق ممكن إذا تم اعتماد معايير الكفاءة والجدارة فقط، ودعم خطوة استبعاد العسكريين ومزدوجي الجنسية باعتبارها «معايير متعارف عليها في التجارب الديمقراطية».

وفي المقابل، أشار التقرير إلى أن عضو المجلس الأعلى للدولة عادل كرموس أبدى تفاؤله بإمكانية إنجاز ملف المفوضية العليا للانتخابات قبل الإحاطة المقبلة للمبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن، معتبرًا ذلك «مؤشرًا إيجابيًا» قد يساهم في تمديد المرحلة الأولى من خريطة الطريق.

وأكد كرموس أن التفاهمات بين المجلسين «مرحلية وتهدف لإظهار تقدم سياسي»، مشددًا على أن «الخلافات الحقيقية تتجاوز المؤسستين إلى القوى الفاعلة على الأرض شرقًا وغربًا».

وختم التقرير بالإشارة إلى أن المواقف المتباينة بين المجلسين تعكس في جوهرها «صراع مصالح متشابكًا»، وأن نجاح اتفاق المناصب السيادية في الصمود أمام الضغوط الداخلية والخارجية سيشكل، بحسب التقرير، «مؤشرًا حاسمًا على مدى قدرة الليبيين على تجاوز حالة الإفلاس السياسي التي تعصف بالمشهد منذ سنوات».

 

Shares: