سلطت صحيفة “إرم نيوز” الضوء على دعوات من أوساط اقتصادية في ليبيا لتحرير سعر صرف الدينار، أو ما يُطلق عليه التعويم مقابل العملات الأجنبية، وما أثارته من تساؤلات جدية حول دلالاتها، خاصة مع التحذيرات المتصاعدة من أن خطوة كهذه قد تؤدي إلى استفحال الغلاء في بلد يعاني من تفشي الفساد.

وقالت الصحيفة إن هذه الدعوات جاءت في أعقاب إعلان مصرف ليبيا المركزي عن تسجيله عجزا في النقد الأجنبي قُدّر بـ 5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2025.

وأضافت أنه يدور جدل كبير منذ فترة طويلة، داخل الأوساط الاقتصادية في ليبيا، بسبب اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي للدولار الأمريكي، حيث يعادل في السوق الرسمية 5.41 دينار، وفي السوق الموازية 7.84 دينار.

وقال عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة نالوت الليبية، إلياس الباروني، إن من دلالات هذه الدعوات إلى تعويم الدينار اختلال السوق النقدية، أي أن الدعوة لتحرير سعر الصرف تعكس فشل سياسة التحكم الإداري في السوق السوداء والموازية، ووجود فارق بين السعر الرسمي والموازي، وأيضاً ضغط بعض رجال الأعمال والموردين الذين يرون في التعويم فرصة للتخلص من القيود على الاعتمادات والرقابة المصرفية، وبالتالي تحقيق مرونة أكبر.

وأضاف الباروني، في تصريحات نقلتها “إرم نيوز” أن هذه الدعوات تعكس فقدان الثقة في السياسة النقدية، وهذا الأمر الأخطر، إذ عندما يزداد الفساد والتهريب وغسيل الأموال يصبح سعر الصرف غير فعال، فيطرح التعويم كخيار واقعي.

وأوضح أن هذه الدعوات مرتبطة أيضا بالوضع السياسي، إذ أن المطلب ليس مجرد نقاش اقتصادي بل رسالة سياسية تعكس صراعاً بين مراكز نفوذ اقتصادية ومالية تبحث عن إعادة توزيع المكاسب.

وشدّد عميد كلية الاقتصاد على أن المصرف المركزي حذر في التعامل مع هذه المسألة، ولن يغامر بخطوة التعويم الكاملة، لأنه يدرك أن أي زيادة في سعر الصرف ستؤدي مباشرةً إلى غلاء المعيشة، ما يشكل ضغطاً اجتماعياً قد يشعل احتجاجات واضطرابات داخل الشارع الليبي.

وختم الباروني بالقول إن هناك سيناريو واضحاً قد يلجأ إليه المصرف المركزي للتسوية التدريجية، وذلك من خلال تعديل سعر الصرف الرسمي أو اعتماد تعويم مدار بدل التعويم الحر لتفادي الصدمة، وكذلك التعطيل السياسي.

وقالت الصحيفة أن الأوضاع الراهنة في ليبيا تسببت بفقدان الدينار أكثر من 75% من قيمته على مدار السنوات الماضية.

وقال المحلل السياسي الليبي، الدكتور خالد محمد الحجازي، إن هذه الدعوات تعكس إدراكاً أن وجود أكثر من سعر للدينار يخلق فرص فساد واحتكار، ومن هنا قد يُنظر إلى التعويم كآلية لكسر السوق السوداء وتقليل هوامش المضاربة.

وأضاف الحجازي في تصريح نفلته “إرم نيوز”، أن هذه المطالب تأتي استجابة لضغوط مؤسسات مالية دولية مثل صندوق النقد، التي ترى أن التعويم أداة إصلاحية، لكن هذه الدعوات أيضاً تُشكل انعكاساً للأزمة السياسية.

وأوضح أن هناك بالفعل مخاوف من أن أي تعويم مفاجئ سيرفع أسعار السلع المستوردة، معتقدا أنه سيؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للدينار، ما سيزيد معاناة المواطنين خصوصا مع غياب شبكة حماية اجتماعية قوية.

وأشار إلى أن موقف المصرف عادةً ما يكون حذرا، لافتا إلى أن التجربة السابقة في (2018 و2021)، حين تم تعديل سعر الصرف، أظهرت أن المصرف المركزي لا يقدم على خطوات إلا بوجود توافق سياسي وضغط من السوق.

ورأى الحجازي أن الدعوات لتحرير سعر الصرف تعكس أزمة ثقة في الاقتصاد الليبي ورغبة في كبح السوق السوداء، لكنها في الظروف الحالية قد تزيد الغلاء وتعمّق معاناة المواطن.

وتابع أن استجابة مصرف ليبيا المركزي ستظل مرتبطة بالتوازن بين الضغوط السياسية والاقتصادية، وغالبا لن يغامر بتعويم شامل دون إصلاحات أوسع تضمن السيطرة على الفساد وحماية الشرائح الضعيفة.

Shares: