كشف الناشط حسام القماطي عبر صفحته على موقع فيسبوك عن ملفات فساد خطيرة داخل شركة الخطوط الجوية الأفريقية الليبية، متهماً إدارة الشركة بالتورط في عمليات “تدمير ممنهج” لهذه المؤسسة الوطنية العريقة لصالح شركات طيران خاصة مرتبطة بمتنفذين في الدولة.
وبحسب الوثائق والمعلومات التي نشرها القماطي، فإن الشركة تُدار اليوم بشكل فعلي من قبل “مجموعة الغنيوات” بصورة علنية، وقد بلغ حجم التجاوزات المالية والإدارية مستويات غير مسبوقة، لدرجة أن بعض المديرين المنخرطين في منظومة الفساد أنفسهم باتوا يشعرون بالقلق من حجم التورط العلني في هذه المخالفات.
وتشير الوثائق المسربة إلى قيام إدارة الشركة بتوقيع عقود استئجار لطائرات متهالكة، من بينها طائرات بوينغ 777 يتجاوز عمرها 20 عاماً، من شركات وصفها القماطي بـ”الوهمية” وبتكلفة تصل إلى 1.5 مليون دولار شهرياً للطائرة الواحدة، دون إجراء الفحوصات الفنية اللازمة أو وجود حاجة تشغيلية حقيقية.
وفي المقابل، كشفت المستندات عن وجود خمس طائرات مملوكة للشركة متوقفة عن العمل، بالإضافة إلى طائرتين من طراز A330 خارج الخدمة بسبب أعطال وصفها المصدر بـ”البسيطة” ويمكن إصلاحها، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء استئجار طائرات إضافية بتكلفة باهظة.
ومن بين الوقائع المثيرة للقلق التي كشفها القماطي، استلام شركة الخطوط الأفريقية أكثر من 21 مليون دولار من الخطوط التركية كاحتياطي للصيانة، لكن هذه الأموال اختفت دون أن تترك أثراً في ميزانية الشركة، في وقت تعاني فيه من تأخر صرف مرتبات الموظفين وتدهور جودة الخدمات وتأخر الرحلات.
كما تحدثت الوثائق عن عمليات سرقة منظمة لقطع غيار بملايين الدولارات من طائرات الشركة المتوقفة داخل مطار طرابلس الدولي، دون اتخاذ أي إجراءات أمنية للحد من هذه السرقات أو فتح تحقيقات جدية لملاحقة المتورطين.
وأشارت المستندات إلى وجود تضخم غير مبرر في الإنفاق الإداري للشركة، من بينه استئجار مبنى بقيمة 250 ألف دينار شهرياً ظل فارغاً لمدة عامين، وصرف نحو 18 مليون دينار على أثاث وديكورات، رغم امتلاك الشركة مبانٍ جاهزة داخل طرابلس.
وعلى صعيد التوظيف، كشفت المستندات عن قيام إدارة الشركة بتوظيف مئات الأشخاص دون وجود حاجة تشغيلية حقيقية، من بينهم طلاب وأقارب مسؤولين، مع الإشارة بشكل خاص إلى توظيف نجل رئيس مجلس الإدارة وأبناء مسؤولين من هيئة الرقابة الإدارية والشركة القابضة للاتصالات.
ولم تقتصر التجاوزات على ذلك، بل امتدت لتشمل تعيينات لأشخاص من خارج قطاع الطيران في مناصب حساسة، مثل تكليف موظف بجهاز المخابرات كمندوب خارجي للشركة، يتقاضى آلاف الدولارات شهرياً دون القيام بأي مهام فعلية.
كما تحدثت المستندات عن تدخلات من قبل جماعات مسلحة في قرارات الشركة، بما في ذلك إلغاء رحلات مجدولة وتغيير قوائم الركاب بالقوة لإرضاء شركات محسوبة على قادة هذه المجموعات، مما تسبب في غرامات مالية وتكاليف إضافية لإسكان مئات الركاب على حساب الشركة.
ووفقاً للتحقيق، فإن رئيس مجلس الإدارة يسيطر على قرارات الشركة بالكامل، رغم افتقاره للخبرة في قطاع الطيران، مشيراً إلى أن تعيينه جاء لأسباب سياسية وشخصية، وأنه يمارس “الإدارة الفردية والإقصاء المتعمد للكفاءات” داخل الشركة.
كما طالت شبهات الفساد وكلاء الشركة في الخارج، وخصوصاً في مصر والسعودية، حيث تحدثت المستندات عن عمولات مشبوهة على تسديد الديون، وتلاعب بأسعار التذاكر والشحن، وتقديم تسهيلات مخالفة للوائح.
وختم القماطي منشوره بالتأكيد على أن ما يحدث “ليس فساداً إدارياً فحسب، بل تخريب اقتصادي منظم” يستهدف “إنهاء متعمد لشركة وطنية لصالح مصالح خاصة، وسط صمت مريب من الجهات المالكة والرقابية”.
ودعا القماطي النائب العام الليبي إلى فتح تحقيق فوري في كل ما ورد من معلومات، ومحاسبة كل المتورطين في هذه التجاوزات التي وصفها بـ”العبث بأموال الليبيين”.