نشرت منصة جسور بوست المهتمة بقضايا حقوق الإنسان تقريرا عن النزاعات القبلية بين العرب والتبو التي تشهدها مدينة مرزق، الواقعة في الجنوب الغربي لليبيا، والتي تمتاز بموقع استراتيجي ومساحة شاسعة تصل إلى 350 ألف كيلومتر مربع، ما جعلها منطقة للتوترات التي تستدعي تدخلا أمنيا من الدولة لفرض الاستقرار.
منصة جسور بوست قالت إن مدينة مرزق تعتبر مركزًا جغرافيًا مهما في الجنوب، وهي غنية بالثروات الطبيعية بما في ذلك النفط والغاز والمياه، مما جعلها مطمعًا للعديد من الأطراف.
وأضافت أن النزاع بدأ بين سكان المدينة العرب ومكون التبو مع بداية التحولات الكبيرة التي شهدتها ليبيا بعد عام 2011، وكان انفلات الأوضاع الأمنية سببًا رئيسيًا في تصاعد النزاع.
وأوضحت أن مرزق أصبحت في هذه الفترة مسرحًا لصراعات عنيفة حول السيطرة على الموارد والمناطق، وقد اشتدت هذه النزاعات بشكل خاص في عام 2019، حيث تحول النزاع إلى صراع مسلح، مما أدى إلى تهجير أعداد كبيرة من السكان وتحويل المدينة إلى منطقة شبه خالية.
وأشارت إلى أنه بعد تصاعد النزاع، شهد المهجرون من مدينة مرزق أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية، حيث واجهت العديد من العائلات التي هاجرت إلى المدن المجاورة تحديات كبيرة بسبب نقص البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، حيث لم تكن المدن التي لجأوا إليها مجهزة لاستيعابهم زاد من معاناتهم.
ورغم الجهود المبذولة لتقديم المساعدات الإنسانية، مثل توزيع الغذاء والملابس وتقديم الدعم الطبي، فإن الظروف لم تتحسن بشكل كبير، فقد ظل الكثير من المهجرين يعيشون في ظروف غير مستقرة، وعلى مدى السنوات الماضية، تم بذل العديد من الجهود لإطلاق حوارات تهدف إلى إنهاء النزاع بين التبو والعرب في مرزق.
وحاولت المبادرات المحلية والجماعات المدنية التقريب بين وجهات النظر المتباينة، ولكن النزاعات المسلحة والنفوذ الإقليمي المتزايد أعاقت هذه الجهود بشكل كبير، فقد كان الوضع معقدًا بسبب التدخلات الإقليمية والنزاعات المسلحة التي زادت من تعقيد الأمور.
وأشارت إلى أنه في منتصف عام 2024، ظهرت بوادر أمل جديدة مع الإعلان عن هدنة بين الأطراف المتنازعة، والتي جاءت نتيجة جهود مكثفة وضغوط من المجتمع المدني الليبي.
وجاءت هذه الهدنة كخطوة نحو تحقيق السلام الدائم وضمان عودة المهجرين إلى ديارهم، وتم التوصل إلى اتفاق يتضمن عدة بنود تهدف إلى تخطي النزاع وإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار.
عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، محمد لاغا، قال في تصريحات نقلتها “جسور بوست”، إن مدينة مرزق تتمتع بثروات طبيعية كبيرة، وهذا جعلها هدفًا لبعض الدول، وتاريخيًا، كانت المدينة تتميز بطابع حضري مدني، حيث قامت على أساس القانون والحضارة وليس النظام القبلي.
وأضاف لاغا أن المشاكل بدأت عندما نزح التبو من تشاد بعد حرب تشاد، واستغلوا الوضع الأمني بعد 2011، مما أدى إلى تصاعد النزاع مع الأهالي العرب.
وأوضح الناطق باسم أعيان مرزق، محمد عبدالنبي، تفاصيل الاعتداءات التي تعرض لها الأهالي، قائلا إن المدينة تعرضت لاعتداءات عنيفة من قبل التبو، شملت القتل والتعذيب والاختطاف.
وأضاف عبدالنبي، في تصريحات نقلتها “جسور بوست”، أن هذه الاعتداءات أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، بينهم نساء وأطفال، واختطاف 22 شخصًا لم يُعرف مصيرهم حتى الآن، كما تم الاستيلاء على كافة الإدارات والأجهزة الأمنية في المدينة من قبل العصابات التشادية.
وأشار إلى أن قضية مرزق لم تكن خلافات اجتماعية أو نزاعات قبلية كما يروج لها الكثيرون، بل هي قضية وطنية بامتياز وتعني كل الليبيين، والأهالي هم من دفعوا ثمن أطماع دول لديها طموحات اقتصادية وتطلعات انفصالية وتغيير ديموغرافي مقصود للمدينة ضمن أهداف رسمت لها لأحداث تغيير يستهدف العرب من أهل مرزق وباقي سكانها.
بدوره، أشار الناطق باسم الشركة العامة للمياه والصرف الصحي، محمد كريم، إلى الجهود الكبيرة التي يبذلها المكتب في تأمين الخدمات الأساسية لمجموعة من البلديات، بما في ذلك مرزق وأم الأرانب وزويلة وتراغن، لافتا إلى استبدال 195 مترًا طوليًا من المواسير الصاعدة، إضافة إلى استبدال 9 لوحات تشغيل وصيانة من أصل 24 لوحة خلال الفترة الماضية، كما تم استبدال 340 مترًا طوليًا من الكوابل المخصصة لتشغيل الآبار، واستبدال 150 مترًا طوليًا من خطوط المياه الرئيسية والفرعية.
وأوضح أنه تم تسليك أكثر من 8000 متر طولي من الخطوط الرئيسية والفرعية، ما يعكس حجم الجهود المبذولة لضمان تدفق المياه بشكل طبيعي وفعّال، ورغم التهالك الشديد الذي تعاني منه خطوط الصرف الصحي في مرزق، تم تنفيذ عدد من أعمال الصيانة لضمان استمرار الخدمة والتخفيف من آثار التهالك.
ويعاني مكتب خدمات مرزق من تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص الموارد والتمويل، مما يؤثر على قدرته على تنفيذ جميع أعمال الصيانة المطلوبة بالفعالية المطلوبة.
وعلى الصعيد الدولي، رحبت الأمم المتحدة وبعض الدول الإقليمية بالهدنة، معتبرة إياها خطوة إيجابية نحو إحلال السلام في الجنوب الليبي.
وشددت المنظمات الدولية على أهمية تقديم الدعم الفني واللوجستي لضمان تنفيذ بنود الهدنة، ومتابعة تطورات الأوضاع بشكل دوري لضمان استقرارها.
وتمثل الهدنة بين مهجري مرزق والتبو خطوة مهمة نحو إنهاء سنوات من النزاع والمعاناة، لكن السلام الدائم يتطلب أكثر من مجرد هدنة مؤقتة في المنطقة، فيجب أن يكون هناك التزام حقيقي من جميع الأطراف بمصالحة شاملة تعتمد على العدالة والاحترام المتبادل.