كشفت الباحثة في المجلس الأطلسي الأمريكي، ماري فيتزجيرالد، عن تأثيرات عميقة لأفعال المواطن الأمريكي خليفة حفتر على مدينة بنغازي وليبيا بشكل عام، واصفة إياه بأنه “حجر عثرة رئيسي” أمام جهود المصالحة الوطنية.
عملية الكرامة
وأوضحت في تصريحات صحفية، أن حفتر استغل عملية الكرامة التي انطلقت في 2014 لتعزيز طموحاته العسكرية، متجاوزاً هدفها المعلن وهو مكافحة الإرهاب.
وأكدت أن أفعال حفتر أدت إلى تحول جذري في بنغازي بحلول عام 2018، مما تسبب في نزوح وتشريد وقتل الآلاف، وقلب الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية التي استمرت لأجيال في المدينة.
وأشارت الباحثة إلى أن عواقب ما ارتكبه حفتر لم تقتصر على بنغازي فحسب، بل امتدت لتؤثر على التطورات السياسية والاجتماعية في ليبيا ككل. فقد تسببت الحرب التي شنها في تدمير أكثر من 6 آلاف عقار في المدينة، إما جزئياً أو كلياً، كما أدت إلى أكبر موجة نزوح شهدتها ليبيا في فترة ما بعد الاستعمار.
صعوبة تحقيق المصالحة
وأضافت أن حفتر خلق أشكالاً جديدة من الهوية متجذرة في المظالم والسرديات الحزبية، مما زاد من صعوبة تحقيق المصالحة.
كما أن إعادة توزيع الثروة لمن ظهروا على المشهد بعد سقوط نظام القائد الشهيد معمر القذافي لا تزال تشكل عقبة رئيسية أمام المصالحة الوطنية.
الاستيلاء على الممتلكات والأراضي
ولفتت الباحثة إلى انتشار عمليات الاستيلاء على الممتلكات والأراضي على نطاق واسع في بنغازي ومحيطها، مما أدى إلى زيادة العداوات داخل المدينة.
كما شهدت المدينة سلسلة من الاغتيالات استهدفت عناصر من عملية الكرامة، وأفراداً من الأمن في النظام السابق، ونشطاء المجتمع المدني، والقضاة والصحفيين.
المليشيات المسلحة
وأوضحت فيتزجيرالد أن حفتر استغل انضمام بعض المليشيات المسلحة إلى مجلس شورى ثوار بنغازي، الذي يضم عناصر من أنصار الشريعة التابعين للقاعدة، لتصوير نفسه كمحارب للإرهاب. إلا أنه في الواقع كان يستهدف الجماعات المسلحة بشكل عشوائي لتحقيق طموحاته الشخصية، مستهدفاً أي مجموعة تهدد هذه الطموحات، سواء كانت إرهابية أم لا.
وأشارت إلى أن حفتر عمد إلى استبدال أصحاب المناصب الرئيسية في بنغازي بأفراد من القبائل الشرقية التي حاربت إلى جانبه، وذلك لكسب دعمهم وإحكام سيطرته بشكل أكبر على المدينة.
زيادة نفوذ السلفيين المدخليين
وحذرت الباحثة من أن الديناميكيات الاجتماعية الجديدة التي جلبتها الحرب أثارت القلق بين سكان بنغازي، خاصة مع زيادة نفوذ السلفيين المدخليين، الذين استولوا على المساجد والمؤسسات المدنية في المدينة.
وقد أصدر هؤلاء أحكاماً ضد سفر النساء دون ولي أمر من الذكور، ودعوا إلى الفصل بين الجنسين في جميع التجمعات، وشجبوا الاحتفال بمولد النبي، كما حظروا المظاهرات باعتبارها إثماً، وقاموا بترويع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية.
رتب عسكرية دون أي خلفية أو تدريب
وأكدت الباحثة أن بنغازي بدأت تبدو مختلفة بشكل كبير في ظل ما وصفته بـ”الافتراس الاقتصادي” للدائرة الداخلية لحفتر، وخاصة أبنائه الذين حصلوا أيضاً على عدد من الرتب العسكرية دون أي خلفية أو تدريب.
وختمت فيتزجيرالد بالإشارة إلى أن إعادة البناء غير المنظمة في بنغازي تسببت في ظهور مناطق تفتقر إلى الطرق والمياه وأنظمة الصرف الصحي ومختلف عناصر البنية التحتية الأخرى.
وحذرت من أنه في غياب أي جهود للمصالحة، من غير المرجح أن يتم حل الانقسامات التي استمرت لعقود بين العائلات والجيران والمجتمعات التي كانت ترى بنغازي ذات يوم موطناً لها.