أدى الارتفاع الكبير وغير المبرر في أسعار الأضاحي هذا العام إلى غضب المواطنين الليبين الذين أبدوا استياءهم من حرمان الكثير من اقتناء الأضحية التي تشكّل بالنسبة إليهم محور غالبية مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى، ما حتم تحرك منظمات ومتبرعين لتنفيذ هذه المهمة.
وذكرت صحيفة العربي الجديد، أن مظاهر الفرح الخاصة بعيد الأضحى في ليبيا هذا العام تراجعت بسبب غلاء الأسعار، خاصة أن فرحة العيد ترتبط في شكل أساسي بالأضحية والطقوس والتقاليد التي تدور في فلكها.
وأضافت الصحيفة أنه ليس لعيد الأضحى تقاليد كثيرة منفصلة عن الأضحية في ليبيا، كما الحال في عيد الفطر، حيث تتعدد مظاهر الفرح عبر شراء لوازم الحلويات والملابس الجديدة، وتبادل الزيارات وغيرها.
ويقول عبد الرؤوف المعمري الذي يسكن في حي جنوبي العاصمة طرابلس، لـ”العربي الجديد”: “تبدأ مظاهر الفرح بعيد الأضحى قبل أسبوع من حلوله، ولا حديث في الأسبوع السابق للعيد إلا عن أنواع الخراف وأسعارها، وشراء لوازم الذبح وتنظيم جلسات الشواء، وعند شراء الأضحية تصبح فرحة الأطفال والأسرة لا توصف، ثم تبلغ ذروتها في يوم العيد الذي يشهد تنفيذ عادات الذبح التي تقضي باجتماع كل أفراد الأسر في بيت الأب أو الجد تمهيداً لتنظيم حفل جماعي ينتظره الجميع”.
وأضاف المعمري أن هذه العادات لم تحضر هذا العام بسبب الغلاء الفاحش في أسعار الأضاحي التي يقول المعمري إن أرخصها يتجاوز راتبه الشهري، في حين لا يتقاضى، على غرار ليبيين كثيرين، أكثر من 1000 دينار (200 دولار)، في حين أن سعر أرخص خروف هو 1700 دينار (340 دولاراً).
وقال محمود عجينة الذي يسكن في حي جنزور غربي طرابلس إن الكثير من أصدقائه ومعارفه تخلوا عن شراء الأضحية هذا العام، واكتفوا بكميات من اللحوم لتنظيم حفل شواء لأطفالهم.
ويصف رجب المشيطي الذي يسكن في حي القربولي شرقي طرابلس، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أسعار الأضاحي بأنها جنونية هذا العام، ولم يسبق أن عرفتها ليبيا، ويعزو مجدي خشيبة، أحد باعة الأغنام في حي تاجوراء شرقي طرابلس، ارتفاع أسعار الأضاحي إلى تداعيات الأزمات السياسية على الوضع الاقتصادي، وعلى رأسها فرض ضريبة على بيع النقد الأجنبي.
ويلفت خشيبة إلى سبب آخر لارتفاع أسعار الأضاحي يتمثل في انتشار أوبئة قضت على أعداد كبيرة من الأغنام، ومن بينها الحمى القلاعية، إضافة إلى إتلاف العاصفة “دانيال” التي ضربت مدينة درنة في سبتمبر الماضي مساحات واسعة من المراعي، وقتلت أعداداً كبيرة من الماشية.
ويصف خشيبة إجراءات الحكومتين بأنها “غير مجدية”، ويوضح أن “أزمة المواطنين ليست غلاء الأسعار، بل عدم قدرتهم على الحصول على أموال من البنوك، وحتى لو جرى دعم سعر الأضحية لا يملك معظم الناس أموالاً لشرائها، وفي حالة القرض تشترط البنوك الدفع إلكترونيا عبر بطاقات رقمية لا يقبلها معظم التجار لأنهم يدركون أنهم لن يحصلوا على أموالهم التي ستبقى مجمّدة في حساباتهم”.
وخلال الأيام الأخيرة للعيد نشطت الجمعيات الخيرية لتوفير الأضاحي للأسر الفقيرة، وأطلق ائتلاف واسع من الجمعيات الخيرية حملة باسم “كلنا نضحي” عبر منصات التواصل الاجتماعي، ودعا المتبرعين إلى الانضمام إلى هذه الحملة ودعمها.
ويوافق المعمري على أن سخط المواطنين كبير من ارتفاع الأسعار الأضاحي، لكنه يستدرك بالقول إنه “يغلب على ثقافة الناس وصم من لا يشترون أضحية بأنهم فقراء وقليلو ذات اليد، وهذا الوصف لا تقبله الأسر في القرى والأرياف التي تضطر في نهاية الأمر الى التكاتف لشراء أضحية لأي فرد لا يملك ثمنها، لذا تستدين أموالاً وتثقل كاهلها بالتزامات مالية الكبيرة لأنها لا ترضى بمرور العيد من دون جلب أضحية”.
كذلك يلفت المعمري إلى ظاهرة جديدة تتعلق بتأخر شراء الأضحية، ويقول: “في السابق كان المواطنون يشترون أضحيتهم قبل أسبوع من العيد على الأقل، لكن الآن لا أحد يريد الالتزام بتكاليف الأضحية، خاصة في المدن حيث يسكن غالبية الناس في شقق ومنازل صغيرة لا تسمح لهم برعاية الأضحية لأيام وتوفير علف لها، لذا يشترون الأضحية عشية العيد”.
ومن المظاهر التي لا تزال مستمرة في عيد الأضحى، بحسب المعمري، الإقبال على شراء بعض اللوازم الخاصة بالذبح والشواء، والاجتماع لأداء صلاة العيد والتجمهر أمام المساجد وفي أزقة الأحياء لتبادل التهاني، ثم الاجتماع لتناول الغداء الذي يصنع من لحم أضحية العيد.
وسادت حالة من الغضب أهالي المدن الليبية بسبب نقص السيولة النقدية في غالبية فروع المصارف المنتشرة في المدن خلال أيام عيد الأضحى المبارك.
وشهدت الأيام الأخيرة زحاما كبيرا أمام المصارف وماكينات الصرف الآلية، حيث يحرص كثير من المواطنين على الحصول على ما يحتاجونه من أموال لقضاء مستلزمات عيد الأضحى المبارك.
وامتدت الطوابير لأمتار أمام المصارف في العاصمة طرابلس، وعدد من المدن في الغرب والشرق والجنوب، كما شهدت أيضا محال الصيرفة بمنطقة سوق المشير زحاما كبيرا.