قدم اللواء دكتور نصر سالم، أستاذ العلوم الاستراتيجية المصري، قراءة شاملة تناول فيها مسارات الأزمات الإقليمية الممتدة منذ ما بعد «الربيع العربي»، محذّرًا من تأثير الحدود الرخوة وانتشار السلاح والتجاذبات السياسية على فرص بناء دول قوية تمتلك قرارها الوطني.

وقال اللواء نصر سالم في حوار نقله موقع “الأيام نيوز” إن الانقسام الليبي على الشرعية منذ نوفمبر 2011 أدى إلى نشوء سلطة في طرابلس وأخرى في الشرق (البرلمان في بنغازي)، وهو ما أضعف سلسلة القيادة وأربك القرار الأمني، مشيرًا إلى أن استمرار التشظي يمنح القوى الخارجية فرصًا للتدخل، كما حدث في الحالة التركية، ويجعل توحيد الأجنحة شرطًا لاستعادة السيادة.

اللواء سالم أكد أن غياب جيش موحد في ليبيا كان نتاجًا لدعم خارجي متضارب لفصائل متقابلة، معتبرًا أن الحل يبدأ من جلوس جميع الفرقاء إلى طاولة واحدة برعاية ليبية خالصة لصياغة ترتيبات أمنية تنهي ازدواجية السلاح والقرار.

كما قدم تحذيرات متواصلة بشأن تدفق السلاح والمقاتلين، حيث يراه العامل الأبرز في إطالة أمد الفوضى، وإبقاء الاقتتال مفتوحًا، وهو ما يخدم أجندات خارجية ويخلق بيئة رخوة لنشاط تنظيمات عابرة للحدود مثل «بوكو حرام» وغيرها.

وأكد أن الخبير الاستراتيجي إلى أن الحدود الطويلة والوعرة تحتاج تمويلًا منتظمًا وتدريبًا مستمرًا، مؤكدًا أن التقنيات المتطورة من رادارات ومسيّرات وأنظمة استشعار رغم أهميتها، تظل غير كافية دون تنسيق عملي مع الدول المجاورة وخطط انتشار مشتركة.

وعن وضع الاقتصاد الموازي، أوضح سالم أن شبكات التهريب تستفيد من بيع النفط خارج الأطر الرسمية بأسعار مجحفة، إضافة إلى عوائد تهريب السلاح والبشر، وأن تجفيف منابع هذه الأنشطة يمر عبر ضرب سلاسل الإمداد، وتشديد الرقابة المالية، وتضييق منافذ التسييل غير الشرعي.

واضاف أن التصدي للمداخل الصحراوية المتعددة يتطلب طبقات مراقبة تشمل الاستطلاع الجوي ونقاط التفتيش المتحركة والوحدات الحدودية المشتركة، مع ربط محكم بين الأجهزة لتجريد تلك المسارات من قيمتها التشغيلية.

ولفت إلى أن انعكاسات الانقسام أدت إلى تضارب المصالح وتبعثر مراكز القرار، ما جعل الحسابات الخاصة تتغلب على الاعتبارات الوطنية، وتسبب في تراجع التنسيق العملياتي والاستخباري وزيادة التفكك.

اللواء سالم لفت إلى أن الوصفات الجاهزة التي طُبقت في ليبيا منذ 2011 لم تُثبت فاعلية حاسمة، وأن الحل الحقيقي بيد الليبيين، مع إمكانية الاستفادة من دعم تقني غير مسيّس في حال تحقق توافق داخلي.

الدكتور نصر يرى في الانتخابات فرصة قائمة حال قيامها على أساس دستوري متفق عليه وبإشراف مهني محايد من داخل ليبيا، مشيرًا إلى أن غياب التوافق الدستوري يحولها إلى عنصر توتر، مع إمكانية الاستفادة من التجربة المصرية في التنظيم والانضباط المؤسسي.

وعن الوضع في السودان، اعتبر سالم أن المشهد يشبه الحالة الليبية، إذ تُسهِّل الحدود الرخوة تدفق السلاح، بينما تتمحور الأزمة حول ميليشيا «الدعم السريع» ومحاولة فرض أمر واقع يؤدي لتفكيك الدولة.

كما اعتبر أن إجراءات الضبط المصرية تعتبر نموذجًا مرجعيًا، مع التأكيد على ضرورة تكييفها بما يناسب الواقع السوداني، لافتا إلى أن إجراء انتخابات يبقى ممكنًا إذا توقفت المعارك وعاد حميدتي إلى المسار السياسي، مع توقف الدعم الخارجي لـ«الدعم السريع».

ولفت إلى أهمية تنظيم التجارة الحدودية عبر ممرات جمركية مبسطة، مقابل تشديد ذكي على المسالك غير الشرعية، مع توحيد إجراءات التفتيش بين الدول المتجاورة.

وأكد أن التقنيات المتقدمة مهمة لكنها تظل أدوات مساندة، وأن نجاح أي مشروع ديمقراطي يتطلب دولة قوية ومؤسسات مهنية واقتصادًا قادرًا وثقافة مدنية تضع التوافق فوق المغالبة، مع ضرورة تحييد التدخلات الخارجية التي حولت انتقالات سياسية في المنطقة إلى فوضى.

Shares: