قال الباحث السياسي عبد الله الديباني إن المشهد السياسي في ليبيا ما زال يعيش حالة انسداد حقيقية، وإن فرص التوصل إلى تسوية عملية تبدو محدودة، بسبب غياب الإرادة الجادة للدفع بالعملية السياسية إلى الأمام.
وأكد أن التعقيدات المتراكمة تجعل أي تقدم نحو الحل أكثر صعوبة، في ظل انقسامات متصاعدة بين الأطراف المتنافسة.
وأوضح الديباني في مداخلة على قناة ليبيا الحدث أن حكومة عبد الحميد الدبيبة تسعى باستمرار لإثبات نفسها كطرف أساسي في أي مسار تفاوضي أو اتفاق سياسي، رغم أنها “مجرد مخرج من مخرجات حوار جنيف”، وأن الأطراف الأصلية هي التي شاركت في صياغة العملية السياسية. وأشار إلى أن الدائرة المحيطة بالدبيبة تتبنى نهجاً إقصائياً واضحاً يسهم في تأجيج الأزمة بدل حلّها.
وأضاف أن تصريحات بعض الشخصيات المرتبطة بالدعاية السياسية لحكومة طرابلس، ومن بينهم إبراهيم الدبيبة ووليد اللافي، تعكس توجهات تهدف إلى ترويج “وهم سياسي” يهدف إلى إطالة عمر الحكومة، من خلال رفض المصالحة الوطنية وتعطيل المسارات الهادفة للوصول إلى اتفاق سياسي شامل.
وأشار الديباني إلى أن التخبط داخل البعثة الأممية يزيد من ضبابية المشهد، خاصة مع غياب آليات واضحة لإلزام الأطراف بمخرجات الحوار المهيكل المزمع عقده. وكشف عن معلومات تفيد بأن عدد المتقدمين للمشاركة في الحوار – الذي يفترض أن يضم 120 عضواً – تجاوز ثمانية آلاف شخص، معتبراً ذلك مؤشراً على غياب الجدية وصعوبة التوصل إلى صيغة توافقية.
وحذّر الديباني من مخاطر متصاعدة تهدد العاصمة طرابلس، مشدداً على أن الإشكالية ليست محصورة في أداء حكومة الوحدة المؤقتة فقط، بل تمتد إلى تركيبة المجلس الرئاسي الذي يعمل بثلاثة رؤوس لكل منها أجندتها الخاصة، ما يعرقل اتخاذ أي قرار موحد يمكن أن يساهم في إدارة الدولة بفاعلية.
وأوضح أن التعقيد السياسي في طرابلس يتشابك مع نفوذ التشكيلات المسلحة التي باتت تعتمد على الاسترزاق من كل سلطة تتولى الحكم في العاصمة، وأن هذه التشكيلات لم تعد مجرد كيانات مسلحة، بل تحولت إلى أدوات ذات مصالح اقتصادية، تتوسع في أنشطة إجرامية خطيرة.
وكشف الديباني عن تقارير صحفية أمريكية تحدثت عن تورط بعض قادة هذه التشكيلات في الترويج للكوكايين الخام وتصديره إلى جنوب أوروبا، معتبراً أن هذا الانخراط في الجريمة المنظمة العابرة للحدود قد يحول طرابلس إلى بؤرة إقليمية لتجارة المخدرات، شبيهة بنماذج مدن في كولومبيا والبرازيل وإيطاليا.
وأشار إلى أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى إنشاء مصانع لمعالجة الكوكايين داخل ليبيا، وفتح ممرات تصدير جديدة عبر البحر المتوسط، محذراً من أن الأزمة الليبية لم تعد سياسية فقط، بل أصبحت ذات أبعاد أمنية واقتصادية واجتماعية، ما يجعل استمرار الحكومة الحالية لسنوات طويلة “وهمًا صنعته السلطة” .
وأوضح الديباني أن انخراط التشكيلات المسلحة في الاتجار بالمخدرات وتبييض الأموال يجعل مواجهتها شديدة الخطورة، مؤكداً أن هذه الأنشطة باتت تمتد عبر الحدود وتشكل تهديداً واسعاً لأمن المنطقة بأكملها.
وفي سياق حديثه، اعتبر الديباني أن المبادرة الأمريكية لحل الأزمة الليبية كانت الأقرب إلى الواقع لكنها لم تُطبّق، مبيناً أن غياب الحلول السياسية سمح للتشكيلات المسلحة بترسيخ نفوذها وفتح بوابات محتملة لتصدير المواد المخدرة إلى أوروبا، الأمر الذي قد يتطلب تدخلاً دولياً منظماً يعيد ضبط الوضع الأمني والسياسي في البلاد.
وشدّد الديباني على أن أي مبادرة وطنية لن تنجح ما لم تتخلَّ الأطراف السياسية عن عقلية الإقصاء، مشيراً إلى أن العملية السياسية تُدار حالياً بعقلية “اللعبة الصفرية” التي يسعى فيها كل طرف إلى المكسب الكامل دون قبول حلول مشتركة.
وأضاف أن تجارب التوافق السابقة بين مجلسي النواب والدولة أثبتت محدوديتها، إذ لم تتجاوز لقاءات وصوراً تذكارية دون نتائج ملموسة.
واختتم الديباني بالتأكيد على أن التغيير الحقيقي لن يأتي من الأطراف المسيطرة في طرابلس، بل من إرادة الشعب الذي بات – وفق تعبيره – أكثر قدرة على فهم تفاصيل المشهد السياسي، مشدداً على ضرورة إعادة صياغة العملية السياسية على أسس وطنية تقوم على الشفافية والتوافق وتمنع محاولات الإقصاء التي تعمّق الأزمة بدلاً من حلّها.


