أكد تقرير لصحيفة «الشرق الأوسط» السعودية أن أزمة نقص السيولة عادت لتتصدر المشهد الليبي من جديد، مع امتداد طوابير المواطنين أمام المصارف في مدن غرب وشرق البلاد، من بينها طرابلس وأجدابيا، في محاولة لسحب مبالغ محدودة لا تكفي سوى للإنفاق اليومي.
وأضاف التقرير أن هذه المشاهد، التي وثقتها تسجيلات متداولة عبر منصات التواصل، تعكس حالة احتقان شعبي تتزايد حدتها في ظل استمرار الانقسام السياسي وتراجع الثقة في الإدارة المالية للبلاد.
وأشار تقرير «الشرق الأوسط» إلى أن النائبة الليبية عائشة الطبلقي حذّرت من أن النهج المتّبع في إدارة ملف السيولة «يفاقم الأزمة ولا يقرّبها من الحل»، في ظل شكاوى واسعة من سوء إدارة المصرف المركزي وغياب إجراءات تعيد التوازن للنظام المصرفي.
وتطرق التقرير إلى ظاهرة «حرق المرتبات» التي باتت ملاذاً لعديد الموظفين في العاصمة طرابلس بعد نفاد السيولة داخل فروع المصارف، وهو ما يدفعهم إلى صرف رواتبهم عبر مكاتب صرافة مقابل عمولات مرتفعة، في مشهد بات يتكرر في الشرق والغرب على حد سواء.
وفي مدينة أجدابيا، لفت التقرير إلى أن الإدارات المحلية تشكو من شح السيولة، وأن الشبابيك المصرفية مغلقة أمام السحب المباشر، بينما لا يُسمح لمستخدمي أجهزة الصرف إلا بالحصول على ألف دينار شهرياً وعلى دفعات، ما يزيد الازدحام والغضب بين المواطنين.
ونقل التقرير عن النائب الليبي الدكتور محمد عامر العباني دعوته لتدخل برلماني عاجل لإعادة هيكلة إدارة المصرف المركزي وإقالة المحافظ ناجي عيسى وأعضاء مجلس الإدارة، محملاً إياهم مسؤولية فشل التصدي للأزمة، ومشيرًا إلى أن غياب أدوات الفائدة واستمرار تكديس الأموال في المنازل من أبرز أسباب تعقيد المشهد النقدي.
كما أبرز التقرير موقف النائب عبد السلام نصية، الذي يرى أن المصرف المركزي «أصبح جزءاً من المشهد السياسي المحتقن»، مؤكداً أن غياب الحوكمة يعرقل ضبط الإنفاق وتوحيد السياسة النقدية، ومعبّرًا عن اعتقاده بأن «الأزمة تكمن في غياب الإرادة السياسية لا الحلول».
وأوضح التقرير أن جذور الأزمة تعود إلى قرار المصرف المركزي بسحب فئات نقدية قديمة تتجاوز قيمتها 40 مليار دينار، مقابل التعاقد على طباعة 60 مليار دينار بديلة، حيث وصلت 25 ملياراً إلى المصارف، ومن المتوقع شحن 14 ملياراً إضافية قبل نهاية العام.
وفي سياق متصل، نقلت «الشرق الأوسط» عن عضوة المجلس الأعلى للدولة نعيمة الحامي أن أزمة السيولة «نتاج تداخل اقتصادي وسياسي وأمني».
وأكدت أن المصرف المركزي يعمل في بيئة غير مستقرة، وأن ازدواجية الإنفاق ووجود حكومتين يزيدان الأعباء الاقتصادية، مشيرة إلى أن الحل يبدأ بقرار سياسي يوحد المؤسسات والميزانية.
وأضاف التقرير أن نائب رئيس المصرف الليبي الخارجي سابقاً خالد الزنتوتي يرى أن أزمة السيولة نتاج «الاقتصاد الموازي وغسل الأموال، وتراجع الثقة بسرية الحسابات المصرفية»، مؤكداً أن تكديس الأموال في المنازل أضعف قدرة المصارف على إدارة النقد المتداول.
وختم التقرير بالإشارة إلى أن مشاهد الطوابير أمام المصارف تمثل أحد أبرز تجليات أزمة السيولة الدوّارة التي تعصف بالقطاعين المالي والسياسي، في وقت تشهد فيه المناطق الخاضعة لحكومة الشرق مظاهرات تطالب بإجراء انتخابات رئاسية فورية، وسط تساؤلات متزايدة حول قدرة المؤسسات الحالية على استعادة ثقة المواطنين أو توفير الحد الأدنى من الخدمات المصرفية الأساسية.


