تشهد ليبيا في الآونة الأخيرة تصاعدا لافتا في التوترات الشعبية والسياسية حول ملف المهاجرين غير النظاميين، بلغ حدّ ظهور حملات احتجاجية ومظاهرات في العاصمة طرابلس تطالب برفض التوطين، وسط مخاوف من أن يتحول هذا الغضب الشعبي إلى موجة عداء قد تتجاوز حدود الاحتجاج السياسي إلى عنف مجتمعي واسع.
وأشارت صحيفة “إندبندنت عربية” إلى أن أبرز مظاهر هذا الغليان ظهرت في تظاهرة نظمها حراك “لا للتوطين”، حيث جرى توقيع عريضة تطالب بإلغاء أو مواجهة القوانين التي يُعتقد أنها تهيّئ الأرضية لتوطين المهاجرين غير النظاميين داخل ليبيا.
وأضافت الصحيفة أن عبارة “روحوا بلادكم” انتشرت بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي في إشارة مباشرة إلى رفض وجود المهاجرين، خصوصا بعد موجة لجوء ضخمة من السودان نتيجة الحرب، حيث تشير إحصاءات مفوضية اللاجئين إلى وصول نحو 467 ألف سوداني خلال الفترة الأخيرة.
وأوضحت أن التفاعلات الشعبية عبر “فيسبوك” أظهرت انقساما واضحا بين من يرفض الاعتداءات على المهاجرين بحجة القيم الإنسانية، وبين من يرى أنهم يشكلون خطرا أمنيا، لافتة إلى أن التعليقات التي انتشرت شددت على ضرورة ترحيل كل من يدخل البلد بطريقة غير قانونية، فيما استُشهد بحوادث سابقة تورط فيها مهاجرون في قتل مواطنين ليبيين، ما غذّى الشعور بالرفض العام.
وعلى الصعيد الدولي، تواجه حكومة الدبيبة ضغوطا متزايدة لإغلاق مراكز احتجاز المهاجرين، بعد تقارير حقوقية تتحدث عن انتهاكات خطيرة تشمل التعذيب والقتل وسوء المعاملة.
وخلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل في جنيف، دعت دول أوروبية ليبيا إلى احترام التزاماتها الدولية، وردّ المسؤولون الليبيون بأن تدفقات المهاجرين تشكل عبئاً هائلاً على البلد اقتصاديا وأمنيا.
تقرير المنظمة الدولية للهجرة أشار إلى تغيير جوهري في نيات المهاجرين: فبينما كان 75% ينوون البقاء في ليبيا للعمل، انخفضت النسبة إلى 40% فقط، فيما يخطط 14% للعبور نحو أوروبا، ما يؤكد أن ليبيا أصبحت معبراً رئيسا للهجرة وليس مقصداً.
وقالت الصحيفة إن الحقوقية الليبية منى توكا ترى أن ما يحدث يتجاوز مجرد رد فعل شعبي، فهو ثمرة لخطاب تحريضي متراكم دفع الناس إلى التعامل مع المهاجرين كـ “تهديد يجب التخلص منه، وتقول إن ليبيا بالفعل تحت ضغط هائل بسبب أعداد المهاجرين، لكن التعبير عن الغضب أخذ شكلاً مقلقاً يتمثل في شرعنة العنف والتحريض العلني، إلى حد تصوير الجريمة ونشرها بجرأة، كما حدث في واقعة الدهس.
الباحث في الهجرة غير النظامية ميمون الشيخ يؤكد أن غياب المحاسبة ساهم في انتشار العنف ضد المهاجرين، مشيراً إلى حملات تحريض عبر مواقع التواصل وصلت إلى الدعوة للترحيل والقتل.
ويرى الشيخ في تصريح نقلته “إندبندنت عربية” أن السلطات الليبية تتعامل مع الملف بتوجيهات أوروبية تهدف إلى تقليل أعداد المهاجرين إلى أقصى حد، بينما تعاني الأجهزة الأمنية نفسها من غياب التنسيق وضعف القدرة على الاحتجاز ضمن معايير إنسانية.
ويصف سجل ليبيا الحقوقي بـ”السيئ السمعة”، داعياً إلى وضع قانون هجرة جديد يحمي المهاجرين، خاصة الفئات الضعيفة، لأن القانون الحالي الذي يعود لعام 2010 أصبح أحد أسباب تفاقم معاناتهم.
على الجانب السياسي، يرى بعض المسؤولين الليبيين، مثل النائب جاب الله الشيباني، أن الهجرة غير النظامية تشكل تهديداً خطيراً للسيادة والتركيبة السكانية. ويؤكد أن انتشار الجرائم والاحتيال ودخول جماعات إرهابية بات مرتبطاً بوجود هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين غير النظاميين.
ولذلك دعت لجنة الأمن القومي بمجلس الدولة إلى تشكيل لجنة سيادية لمعالجة الأزمة وفق آليات واضحة، تضمن إعادة المهاجرين إلى بلدانهم وحماية الهوية الوطنية من أي تغيير ديموغرافي محتمل.
وتقدّر المنظمة الدولية للهجرة عدد المهاجرين غير النظاميين في ليبيا بنحو 867 ألف مهاجر حتى نهاية سبتمبر 2023، بارتفاع قياسي مقارنة بالعام السابق، حيث سجّل عام 2022 ما يقارب 725 ألف مهاجر.
ووفق تقرير المنظمة، تتركز النسبة الأكبر منهم في الغرب الليبي بنسبة 53%، وتتصدّر الجنسيات السودانية القائمة بـ33%، ثم النيجر بـ22%، فمصر بـ19%، وتشاد بـ10%.
وتشير المنظمة إلى أن الأعداد الحقيقية قد تكون أعلى من ذلك بكثير، وهو ما يتقاطع مع تنامي المخاوف الليبية بعد سلسلة جرائم ارتُكبت مؤخراً، إما من قبل بعض المهاجرين أو ضدهم.
أحد أبرز الأحداث كانت جريمة قتل داخل منزل يضم عمالة وافدة في طرابلس، ثم حادث دهس طفل وافد على يد مواطن ليبي، وهو حادث أشعل مواقع التواصل بين مطالب بالمعاقبة وتحميل للمهاجرين مسؤولية الفوضى.


