أكد موقع «ميدل إيست آي» البريطاني في تقرير موسّع أن إعلان السلطات التركية تفكيك شبكة دولية لغسل الأموال تتجاوز تحويلاتها مليار دولار، يكشف حجم الفوضى المالية والفساد المستشري في ليبيا، ويعكس هشاشة البيئة الأمنية والاقتصادية التي وفّرت مساحة واسعة للنشاطات غير القانونية.
وأشار الموقع إلى أن العملية الأمنية التي نفذتها الشرطة التركية في إسطنبول، وتحديدًا في منطقة لاليلي التجارية، أسفرت عن ضبط شبكة مصرفية موازية تعمل خارج القنوات الرسمية وتدير تدفقات مالية تُقدَّر بـ50 مليار ليرة تركية.
وأوضح التقرير أن إحدى الشركات الرئيسية المتورطة أجرت تحويلات ضخمة تخطت 155 مليون دولار، إضافة إلى معاملات بقيمة 107 ملايين دولار عبر أجهزة نقاط بيع تم شحنها إلى ليبيا لاستخدامها محليًا بينما سُجّلت حسابيًا في تركيا.
أضاف «ميدل إيست آي» أن العثور على 472 جواز سفر مزور داخل مكاتب الشركة يؤكد الطبيعة الدولية المنظمة للشبكة، التي توسعت لتشمل مستخدمين أجانب تلقّوا عمولات تصل إلى 2% عن كل عملية، في محاولة لإخفاء مسار الأموال وإضفاء شرعية وهمية على التحويلات المشبوهة.
وذكر التقرير أن التحقيقات تعزز الشبهات حول وجود ارتباطات مالية داخل ليبيا ساعدت هذه الشبكة، خصوصًا بعد تأكد ضلوع مدير في أحد البنوك الخاصة بإسطنبول في تسهيل جزء من العمليات، ما يعكس اتساع نطاق الفساد وتغلغل الجريمة المنظمة عبر الحدود.
وأبرز الموقع أن ليبيا تُعد من أكثر البيئات المناسبة لانتشار مثل هذه الشبكات، نتيجة الانقسام السياسي وتعدد السلطات وتنامي نفوذ الميليشيات، الأمر الذي أدى إلى تراجع الرقابة وتفكك المؤسسات المالية. وأشار إلى أن تصنيف «سيكريتاريا» لعام 2025 وضع ليبيا ضمن أكثر عشر دول خطورة عالميًا في مجال غسل الأموال والجرائم الاقتصادية.
وأوضح التقرير أن خبراء اقتصاديين يرون أن ليبيا تمتلك منظومة تشريعية ضعيفة في مكافحة غسل الأموال، رغم وجود قوانين تنظيمية، إلا أن غياب سلطة تنفيذية موحدة وتعدد مراكز النفوذ حوّل تلك القوانين إلى نصوص دون تطبيق فعلي.
ونقل الموقع تحذيرات من أن استمرار الأنشطة غير القانونية قد يعرّض ليبيا لعقوبات دولية أو تجميد أصول مالية في الخارج.
كما أشار «ميدل إيست آي» إلى أن جماعات مسلحة تفرض سيطرتها على قطاعات اقتصادية حيوية، بينها النفط والوقود والمعابر الحدودية، وتستغل موارد الدولة لتحقيق مكاسب مالية.
فيما تدير مجموعات أخرى شبكات للتهريب والاتجار بالبشر والسلاح، وتعيد ضخ عائداتها عبر عمليات غسل أموال داخل ليبيا وخارجها.
ولفت التقرير إلى أن بعض المجموعات المسلحة تحاول خلال السنوات الأخيرة «غسل سمعتها» عبر تقديم نفسها كأطراف تتعاون مع دول غربية في مكافحة الجريمة أو تأمين الحدود، لكن الموقع أكد أن هذا لا يغيّر حقيقة استمرارها في مراكمة الثروة عبر أنشطة غير قانونية تُهدد الاقتصاد الوطني.
وحذر الموقع من أن ترابط الجريمة المنظمة مع غسل الأموال يمهّد لمزيد من التدهور الأمني، وقد يدفع مؤسسات دولية كصندوق النقد والبنك الدولي لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه ليبيا، ما يزيد من الضغوط الاقتصادية على المواطنين.
وختم «ميدل إيست آي» تقريره بالتأكيد على أن الشبكة التي كشفتها تركيا «ليست سوى نقطة في بحر» من العمليات المالية الموازية المرتبطة بليبيا، داعيًا إلى إصلاحات جذرية في المؤسسات المالية وتوحيد الأجهزة الرقابية وتعزيز الشفافية والحد من نفوذ الميليشيات، باعتبارها شروطًا أساسية لوقف تمدد شبكات غسل الأموال وحماية الاقتصاد الليبي من الانهيار.


