قال الكاتب والباحث في الدراسات الإقليمية، رمضان معيتيق، إن إعلان ما تسمى هيئة الرئاسات، الذي يمثل تأسيسًا لسلطة جديدة، يأتي في سياق ليبيا الجديدة التي لا تزال في خضم العبث.
وأضاف معيتيق، في حديث تلفزيوني، أن العملية الديمقراطية تتطلب احترام مفرداتها الأساسية، وعلى رأسها فصل السلطات، متسائلًا عن موقع هذه الهيئة ضمن السلطات المعروفة: هل هي تشريعية، أم تنفيذية، أم قضائية، أم مختلطة؟ واصفًا الوضع بأنه في غاية الغرابة.
وأوضح الباحث في الدراسات الإقليمية أن الجهة التي أعلنت تأسيس ما تسمى بهيئة الرئاسات ليست جادة في محاولتها جمع الشتات، لأن الانقسامات لا تقتصر على شرق وغرب البلاد، بل تشمل حتى أعضاء الطاولة نفسها.
وأشار معيتيق إلى أن المجلس الرئاسي، أحد المشاركين في الطاولة، لن يستطيع خلال الأيام المقبلة معالجة التشظي الحاصل بين نوابه الثلاثة في المجلس، مؤكدًا أن البيان الذي صدر عن المنفي جاء بعد ساعات من بيانات مضادة من وليد اللافي والدولة الاستشاري، وهو طرف آخر متشدد.
ولفت إلى أن دمج الأطراف تم تحت ضغط دولي فقط، على حساب بعض وزراء حكومة الدبيبة والذين أصبحت مقاعدهم وحقائبهم شاغرة.
وأكد أن الحديث عن التشظي أو التنسيق بين هؤلاء الثلاثة الرئاسي ومجلس الدولة والحكومة غير ممكن عمليًا، معتبرًا أن صمت مجلس النواب كان نوعًا من الحكمة، بينما تصريح رئيس حكومة البرلمان أسامة حماد أظهر ضعفًا واستعجالًا، ولم يكن موفقًا، إذ لم يكن له داعٍ لأن هذا الجسم المعلن عن ميلاده لن يستمر أو يبقى حيًا، ما يعطي انطباعًا بأن من يعارضهم، سواء في هيئة عليا أو منفردين، لا يعترف بهم.
وأوضح معيتيق أن أسامة حماد لا يعترف بالمجلس الرئاسي كقائد أعلى للجيش، ولا بالمجلس الأعلى للدولة كشريك سياسي، ولا بالحكومة المعترف بها دوليًا، مما يعكس ضعفًا وتخوفًا من القادم.
وعن توقيت الإعلان بالتزامن مع خارطة البعثة، أشار معيتيق إلى أنه لا يهدف إلى عرقلة المسار الأممي، بل محاولة لإيجاد مكان لهذه الأسماء الثلاثة في الأيام القادمة وتثبيتها، مع الأخذ في الاعتبار أن مسألة الحكومة ستكون من أكبر نقاط الخلاف، إذ ترغب حكومة الدبيبة ومجلس الدولة والرئاسي في إدارة مفصلية مهمة من العملية السياسية، أو في الحوار المهيكل، ما يجعل هذه المحاولات أمرًا منطقيًا.
وتساءل معيتيق عن كيفية تعامل البعثة مع هذا الإعلان، معتبرًا أن الهيئة الجديدة لا تمتلك أي إطار قانوني أو دستوري، وأن تسمية وليد اللافي لها كسلطة أو هيئة عليا لا يغير الواقع شيئًا.
وأكد أن الأمر يظل مجرد إطار للتنسيق ولا يفرض أي أثر حقيقي، وأنه لا يتوقع أن تصدر أي ردود فعل إقليمية أو دولية، مشيرًا إلى موقف مجلس النواب الذي لم يتدخل حتى اللحظة، لأنه يعلم عدم الأثر لهذه الهيئة.
وبينّ معيتيق أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أعدّ إطارًا واضحًا للعملية السياسية، ولا يمكن لأي جهة ليبية خرقه، معتبرًا أن محاولات بعض الأطراف، بما في ذلك هذه الهيئة، تسلية لا تأثير لها على الواقع.
وشدد على أهمية تشخيص الواقع الليبي كما هو، بعيدًا عن محاولات تصوير بعض الأطراف بأنها ناجحة وأخرى فاشلة، مؤكدًا أن جميع الأطراف تتحمل مسؤولية الفشل الحالي، بما فيها الحكومة والأطراف التوافقية السابقة.
وتطرق معيتيق إلى دور خالد المشري، مشيرًا إلى أنه كان على رأس الجسم التوافقي السابق، وأن محاولات الاتهام للغرب الليبي بالإرهاب سابقة لم تحقق أي توافق في القوانين الانتخابية أو المناصب السيادية أو توحيد الحكومة، وأن كل هذه الأطراف شاركت في الفشل السياسي المستمر، موضحا أن المشري اليوم يُنظر إليه كطرف أكثر توافقية مقارنة بالماضي، لكنه شدد على أن الفشل سياسي مشترك ويتحمل مسؤوليته جميع الأطراف المتورطة.
ولفت معيتيق إلى أن حكومة الدبيبة الحالية، رغم مرورها عبر مجلس النواب بالموافقة الجماعية عدا صوت واحد، لا يمكن تحميلها وحدها مسؤولية الفشل، مشيرًا إلى أن الأزمة أكبر بكثير من أي جهة منفردة، وأن الحل يتطلب إدراك مسؤولية جميع الأطراف المتشاركة في العملية السياسية.
يذكر أن تقرير لصحيفة العربي الجديد الممول من قطر، زعم أن تأسيس ما يسمى الهيئة العليا للرئاسات في طرابلس يمثل خطوة مهمة لتعزيز التنسيق بين المؤسسات السيادية في ليبيا، في ظل الأزمة السياسية المعقدة ومحاولات البعثة الأممية دفع العملية السياسية نحو تنفيذ خارطة الطريق والانتخابات.
وأضاف التقرير أن الإعلان عن تأسيس الهيئة جاء عقب اجتماع ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الدولة الاستشاري محمد تكالة، وعبد الحميد الدبيبة، حيث صدر بيان التأسيس موضحًا أن الهيئة تمثل إطارًا تنسيقياً يشكل السلطة السيادية العليا للدولة، وتهدف إلى توحيد القرار الوطني وتعزيز التعاون بين المؤسسات دون استحداث كيان جديد أو أعباء هيكلية، على أن تعقد اجتماعات دورية وطارئة لتوحيد السياسات والمواقف الرسمية للدولة الليبية.
وأشار التقرير إلى أن حكومة مجلس النواب في بنغازي اعتبرت تأسيس الهيئة عملا منعدمًا دستوريا وقانونيا، محذرة من أي مخرجات أو ممثلين عن الهيئة، معتبرة أن الخطوة تهدد وحدة الدولة واستقرارها المؤسسي، فيما لوّحت بخيار المطالبة بالحكم الذاتي كإجراء محتمل.
من جهتها، شددت حكومة الدبيبة على أن الهيئة لا تشكل عبئًا تنظيمياً على المؤسسات، بل تهدف إلى معالجة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية، وتوحيد الرسائل والمواقف الرسمية للدولة، بما يدعم الاستقرار الوطني.


