أكد الإعلامي صلاح الهوني في مقال له بصحيفة العرب اللندنية أن ليبيا لم تعد مجرد ملف سياسي عالق أو نزاع داخلي معزول، بل أصبحت إحدى أكثر نقاط الجغرافيا حساسية في توازنات البحر المتوسط وشمال إفريقيا.
وأشار إلى أن مستقبل البلاد بات ينعكس مباشرة على الأمن الإقليمي والاستقرار الدولي.
وأضاف خلال مقال له في صحيفة العرب اللندنية، أن ليبيا اليوم تقف أمام خيارين واضحين: إما أن تظل ساحة مستباحة لصراعات النفوذ، أو أن تتحول إلى منصة استراتيجية للتكامل والتنمية المشتركة.
وأوضح الهوني أن ليبيا تمتلك شريطًا ساحلياً يمتد لألف وثمانمائة وخمسين كيلومترًا، وهو ليس مجرد امتداد جغرافي، بل معبر اقتصادي وثقافي يربط إفريقيا بأوروبا. لكنه أشار إلى أن هذا العمق الإستراتيجي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى خط أزمة إنسانية وأمنية بفعل ضعف الحوكمة، خاصة في ما يتصل بملف الهجرة غير النظامية.
وأكد أن غياب التنسيق مع الشركاء الإقليميين حوّل نعمة الموقع إلى عبء متزايد.
وأضاف الهوني أن الحدود البرية لليبيا، التي تلتقي مع ست دول، تشكل منظومة تداخل اجتماعي واقتصادي وثقافي معقد، وليست مجرد خطوط سياسية.
وبيّن أن منطقة فزان تحديداً تمثل مفتاح الفهم الحقيقي لدوائر التهديدات الأمنية في الساحل والصحراء، وأن تراجع اهتمام الدولة بهذه المنطقة سمح لقوى غير رسمية بالتحرك داخلها بعيدًا عن الرقابة، ما جعل الجنوب ساحة لمخاطر متصاعدة.
وأكد الهوني في مقاله أن تجاوز الأزمة الليبية لا يمكن أن يتحقق من خلال مركزية الحكم وحدها، ولا عبر الانقسامات الجهوية والقبلية، بل من خلال بناء نموذج إداري مرن يضمن المشاركة الواسعة لكل الأقاليم داخل دولة واحدة موحدة.
وأشار إلى أن طرابلس بما تمتلكه من ثقل اقتصادي وديموغرافي، وبرقة بما تحمله من إرث وثروات، وفزان بما تشكله من عمق استراتيجي، تمثل أضلاع ثلاثية لا يمكن لأي مشروع وطني النجاح دون توازنها.
وأضاف الهوني أن العلاقات مع أوروبا يجب أن تتجاوز فكرة “شراكة مكافحة الهجرة” إلى شراكات إنتاجية حقيقية، وفي مقدمتها مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، إضافة إلى برامج إعادة الإعمار والتعليم وبناء القدرات.
كما اعتبر أن عودة ليبيا إلى فضائها الإفريقي والمغاربي ليست خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة استراتيجية تعزز الأمن وتخلق فرص التنمية.
وفي ما يتعلق بالثروة النفطية، شدد الهوني على ضرورة إخراج هذا القطاع من دائرة الصراع السياسي، عبر إنشاء صندوق سيادي شفاف يخضع لرقابة حقيقية، وتوجيه عوائده نحو البنية التحتية والتعليم والصحة وتنويع الاقتصاد، بما يضمن بناء دولة قوية لا تعتمد على الريع وحده.
وختم الإعلامي صلاح الهوني مقاله بقوله إن ليبيا ليست دولة فاشلة كما يُصوّر، بل دولة لم تكتمل بعد، مؤكداً أن التاريخ منحها فرصًا كبرى، والجغرافيا أعطتها موقعًا محوريًا، وما بين الاثنين يقع القرار الوطني.
وأضاف: “الخيار اليوم ليس بين سلطة وسلطة، بل بين مستقبل يُصنع بيد الليبيين أو مستقبل يُفرض عليهم. اللحظة حاسمة، والوقت هو الآن.”


