أكد تقرير لموقع إندبندنت عربية أن تداعيات سقوط مدينة الفاشر السودانية في يد قوات الدعم السريع لم تتوقف عند حدود السودان، بل امتدت إلى ليبيا التي تواجه اليوم ضغوطاً إنسانية متصاعدة مع تدفق آلاف اللاجئين السودانيين نحو أراضيها الجنوبية.
وشدد التقرير على أن مشهد الخيام العشوائية المنتشرة على أطراف مدينة الكفرة الليبية بات يعكس مأساة إنسانية متفاقمة، إذ يقيم فيها مئات اللاجئين السودانيين الذين فروا من جحيم المعارك في إقليم دارفور، ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تجاوز عدد السودانيين الفارين إلى ليبيا 360 ألف شخص، مع توقعات بأن يبلغ الرقم أكثر من 650 ألفاً بنهاية عام 2025.
وأضاف التقرير أن المتخصص في الشؤون الأفريقية موسى تيهوساي يرى أن أحداث الفاشر ستكون بمثابة عبء جديد على ليبيا، خصوصا على حدودها الجنوبية المترامية.
وأوضح أن أكثر من 170 ألف شخص غادروا المدينة المنكوبة، وليبيا تعد من أبرز وجهاتهم المحتملة نظرا لقربها الجغرافي وضعف الرقابة الحدودية فيها.
وأشار تيهوساي إلى أن تفاقم الصراع العِرقي في السودان يشكل مرحلة جديدة من موجات النزوح، إذ تستمر الانتهاكات الوحشية بدوافع سياسية وعرقية، ما يجعل احتمالات توقف حركة اللجوء ضئيلة حتى في حال إعلان وقف إطلاق النار.
وأوضح التقرير أن الشارع الليبي يعيش حالة من الترقب بعد سقوط الفاشر، وسط مخاوف من تأثيرات إنسانية وأمنية كبيرة، فالوضع الحالي يعكس هشاشة البنية التحتية في الجنوب الليبي، وعدم استعداد السلطات للتعامل مع هذا الحجم من النزوح.
ونقل التقرير عن الحقوقي الليبي جابر أبو عجيلة، المهتم بملف اللاجئين في مدينة الكفرة، قوله إن السلطات الليبية لا تملك أي استراتيجية واضحة للتعامل مع تدفق اللاجئين السودانيين.
وأضاف أن انقسام السلطة بين حكومتي الشرق والغرب جعل التعامل مع هذه الأزمة أكثر تعقيداً، لاسيما مع اختلاف مواقف الطرفين من الحرب في السودان، حيث تؤيد حكومة طرابلس سلطة عبد الفتاح البرهان، بينما تميل حكومة الشرق لدعم قوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وأكد أبو عجيلة أن حكومة عبد الحميد الدبيبة لا تمارس سلطة فعلية على الجنوب، وهو ما اضطر سلطات الشرق للتعامل المباشر مع ملف اللاجئين في المناطق الحدودية، داعيا إلى تحرك عاجل من اللجان العسكرية المشتركة (5+5) لمعالجة الوضع الإنساني قبل تحوله إلى أزمة أمنية شاملة.
وأوضح الحقوقي أن أي قرار بخصوص اللاجئين السودانيين في ليبيا لن يُتخذ بمعزل عن الدول المتدخلة في الشأن الليبي، معتبراً أن غياب الإرادة السياسية المستقلة يعطل تبني حلول واقعية. واقترح أن تقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة بإصدار تحذيرات رسمية للسلطات الليبية، وحث حكومة الشرق بقيادة أسامة حماد على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوفير خيام وأغطية ومواد أساسية للاجئين، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء وبرودة الطقس في الجنوب.
من جانبها، قالت الحقوقية الليبية منى توكا إن التعامل مع ملف اللاجئين السودانيين لا يجب أن يكون في إطار أمني ضيق أو مجرد إقامة مخيمات على الحدود، بل وفق رؤية متوازنة تراعي البعد الإنساني والسيادي في آن واحد. وأضافت أن “ما يحدث في الجنوب الليبي تحولٌ نوعي جعل من ليبيا بلد استقبال بعد أن كانت لسنوات محطة عبور مؤقتة نحو أوروبا”.
وشددت توكا على أن هذا الواقع الجديد يفرض على الدولة والمجتمع التعامل مع القضية كملف وطني شامل، داعية إلى تفعيل شراكات بين المؤسسات الليبية والمنظمات الدولية لبناء قاعدة بيانات دقيقة تشمل اللاجئين والمجتمعات المضيفة، مع خطط لتحسين الخدمات في المناطق التي تستقبلهم لتفادي التوترات الاجتماعية.
وأضافت أن المطالب بإقامة مخيمات معزولة للاجئين قد تبدو حلاً سريعاً لكنها في الحقيقة “تجمّد الأزمة ولا تعالجها”، لأنها تخلق مناطق تهميش جديدة وتزيد من هشاشة الفئات المستضعفة، خصوصاً النساء والأطفال.
وأكدت الحقوقية على ضرورة إطلاق حملات توعية إعلامية ومجتمعية تشرح طبيعة الأزمة، مشيرة إلى أن حملات الرفض المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي ليست وليدة الكراهية بقدر ما تعكس غياب المعلومة الدقيقة وغياب الخطاب الرسمي الواضح.
وختم التقرير بأن ليبيا، التي عاشت فصولاً من الحرب والنزوح، قادرة على فهم معاناة اللاجئين السودانيين، إذا ما تم تبني رؤية إنسانية شاملة توازن بين الأمن والسيادة من جهة، والكرامة والحق في الحياة من جهة أخرى، لتتحول الأزمة إلى فرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وبين ليبيا وجوارها الأفريقي.


