قالت صحيفة الشرق الأوسط إن سياسيين وباحثين ليبيين يقللون من قدرة عبد الحميد الدبيبة على طي صفحة الميليشيات المسلحة في طرابلس، لافتين إلى إن حديثه بشأن انتهاء زمن التشكيلات المسلحة لا يعكس الواقع.
ويرى متابعون، حسبما نقلت الصحيفة السعودية، أن هدف الدبيبة من وراء هذه التصريحات مجرد محاولة لتسويق قدرة حكومته على إخضاع المجموعات المسلحة، والسيطرة على المرافق السيادية للدولة من موانٍ ومطارات، أمام المجتمع الدولي، متغافلاً عن واقع الانقسام الحكومي والمؤسسي الراهن.
وقال عضو مجلس النواب، عمار الأبلق، إن تصريحات الدبيبة عن تراجع نفوذ جهازي «الردع» و«دعم الاستقرار» في العاصمة لصالح انتشار قوات وزارة الداخلية، لا يمثل نهاية حقيقية للميليشيات المسلحة.
وأضاف الأبلق في تصريح نقلته «الشرق الأوسط»، أن تصريح الدبيبة لا يعكس الواقع بدقة، فالجميع يعرف أن كثيراً من المجموعات المسلحة اندمجت في وزارتي الداخلية والدفاع بحكومته، لكن لا تزال عناصرها تدين بالولاء لقياداتها، وليس للدولة.
وأوضح أن عددا من أمراء الحرب، تسلموا مناصب رفيعة ورتبا عسكرية داخل الوزارات السيادية، اعتماداً على قوة المجموعات التي أسسوها وفرضت سطوتها على الأرض، ما يجعل من الصعب القول إن زمن الميليشيات قد ولى.
واستشهد الأبلق بتدخل ميليشيات من خارج طرابلس لدعم قوات جهازي الردع ودعم الاستقرار في مواجهة قوات موالية للحكومة، خلال الاشتباكات التي شهدتها العاصمة قبل 3 أشهر.
وأكد أن هذا يعكس وجود طوق ميليشياوي يحاصر العاصمة، يتبدل ولاؤه وفق نجاح حكومة الدبيبة أحياناً في استقطاب قياداته عبر الإغراءات المالية، أو يتحول خصماً لها نتيجة تطورات ميدانية، أو مخاوف من الإقصاء.
أما الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، جلال حرشاوي، فأدرج خطاب الدبيبة الأخير ضمن مساعيه للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.
وقال حرشاوي في تصريح نقلته «الشرق الأوسط» إنه من المرتقب أن تطرح المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هانا تيتيه، خريطة طريق جديدة أمام مجلس الأمن الدولي خلال الأيام المقبلة، وقد تفتح الباب لمناقشة مصير الحكومة، والدبيبة يسعى لإشغال الرأي العام بملف صراع حكومته مع الميليشيات، لتجنب التركيز على مسألة رحيله.
وقدم الباحث أمثلة على استمرار وجود الميليشيات الراهن في طرابلس، قائلاً: «جهاز الأمن العام بقيادة عبد الله الطرابلسي، والقوة المشتركة في مصراتة بقيادة عمر بوغدادة، هما تشكيلان محسوبان على حكومة الدبيبة، ولا يمكن وصفهما بغير الميليشيات».
ويرى أن الدبيبة عندما يتحدث عن إنهاء الميليشيات، فهو يلمح إلى المجموعات التي دخل معها في خصومة مؤخرا، بما في ذلك جهاز الردع، من دون وجود وضوح حول قدرته على تفكيكها.
بدوره، وصف نائب رئيس حزب الأمة الليبي، أحمد دوغة، تصريحات الدبيبة بأنها متفائلة، معتبرا أنها قد تكون صحيحة إذا استندت فقط إلى تراجع نفوذ الاستقرار والردع في العاصمة، رغم استمرار وجودهما بالمشهد، وتبعية كليهما للمجلس الرئاسي.
وفي تصريح نقلته «الشرق الأوسط»، عدّ دوغة، خطاب الدبيبة محاولة لإظهار السيطرة على المجموعات التي دخل معها في خصومة مؤخراً بعد تحالف استمر نحو 4 سنوات، محذرا من أن حسم الملفات بالقوة في قلب العاصمة يرفع تكلفة الخسائر البشرية والمادية.
وذكّر دوغة بمحاولة وزير داخلية الدبيبة، عماد الطرابلسي، السيطرة على منفذ رأس اجدير الحدودي مع تونس وإبعاد الميليشيات التي كانت تشرف عليه، ما أدى إلى اشتباكات أوقفت العمل بهذا الشريان الحيوي لثلاثة أشهر قبل التوصل لتفاهمات بينهما، وعَدّ أن ذلك يثير الشكوك حول قدرة الحكومة على السيطرة على المرافق السيادية حتى داخل نطاق نفوذها في الغرب الليبي.
وختم بالقول إن إنشاء جيش موحد وحصر السلاح بيده هدفان صعبان في ظل الانقسام واتساع هوة الخلافات بين أفرقاء المشهد الليبي شرقاً وغرباً، لكنه ليس مستحيلاً.
وتابع أن هذا يتطلب أولاً إجراء إحصاء دقيق لترسانة السلاح في ليبيا ، خصوصاً الموجودة لدى المجموعات المسلّحة التابعة للدولة بشكل أو بآخر، وتوفير وظائف وبدائل اقتصادية لعناصرها، مع التلويح بملاحقة قادتها.
يُذكر أن دول عدة ما زالت تجدد تحذيراتها لرعاياها من السفر إلى ليبيا بسبب انتشار الميليشيات واندلاع مواجهات متكررة بينها.
وصرح الدبيبة الأسبوع الماضي، بأن وصف ليبيا بأنها بلاد الميليشيات قد طُوي إلى الأبد، غير أن معطيات الواقع، وفقاً لسياسيين ومراقبين، ترسم مشهداً مغايراً لما ذهب إليه.
وتمدد نفوذ الميليشيات المسلحة في ليبيا عقب سقوط النظام السابق ، وتحولت تدريجياً إلى مراكز قوى متصارعة على النفوذ والثروة، خصوصاً في المنطقة الغربية.
وفي السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً في أعدادها، جراء هزيمة وتفكك بعضها ودمج البعض الآخر في مؤسسات الدولة، رغم أن نفوذها وقياداتها ما زالا في المشهد.