نشر موقع “العربي الجديد” الممول من قطر، تحقيقًا استقصائيًا وثّق فيه واقع الفساد في مشروعات الطرق الليبية، وكيف أدى الإهمال وسوء التنفيذ إلى تصاعد أعداد الوفيات على الطرق، وسط غياب واضح للرقابة والمساءلة.

على طريق عين زارة – وادي الربيع، يروي محمد الطرابلسي، سائق سيارة أجرة خمسيني، كيف انتهت به حفرة عميقة إلى المستشفى مصابًا بكسور وجروح، رغم أن الطريق جرى صيانته قبل عام ونصف فقط.

حال الطريق الساحلي لم يكن أفضل؛ إذ ظهرت تشققات فيه بعد عام على صيانته، كما أوضح الدكتور موسى الموردي من كلية الهندسة بجامعة طرابلس.

السبب، كما يقول، هو تجاهل معالجة الرطوبة تحت الطبقات الأسفلتية، ما أدى لتسرّب مياه الأمطار وظهور التشققات.

تشير تقارير أكاديمية وهندسية إلى أن نحو 40% من الطرق الفرعية و20% من الطرق الرئيسية لا تتوافق مع المواصفات الفنية المعتمدة.

ويؤكد المهندس عمر المصراتي من جهاز تنفيذ مشروعات المواصلات، أن غياب الدراسات الجيولوجية والمواصفات الفنية السليمة يجعل الطرق عرضة للتشققات والانهيارات المبكرة.

في كوبري 27 غرب طرابلس، ظهرت تشققات خطيرة نهاية 2024، وهو ما اعتُبر دليلًا على تلاعب بالمواصفات، إذ استخدمت خلطات أسفلتية غير دقيقة من حيث نسب المزج بين البيتومين والركام، كما كشف المهندس علي الترهوني، مشرف الطرق في وزارة الإسكان والتعمير.

وفق دراسة أكاديمية في مصراتة، تبين أن نسبة البيتومين في بعض القطاعات تجاوزت 6%، وهي أعلى من المعايير المعتمدة، بينما بلغت الفراغات الهوائية في الطبقات أقل من المسموح به، ما أثر على مقاومة الرصف للأحمال وأدى إلى ظهور تخددات سريعة.

ويحذر الدكتور علي العرعود، أستاذ الطرق السابق في جامعة طرابلس، من أن غياب الرقابة يجعل من الغش الهندسي قاعدة لا استثناء، مستشهدًا بطريق حي الأندلس الذي ظهرت فيه فجوات كبيرة بعد فترة قصيرة من إنجازه.

تنتقد تقارير هيئة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة اعتماد مصلحة الطرق والجسور على أسلوب التعاقد المباشر أو المناقصات المحدودة، في مخالفة واضحة للائحة العقود، ما أتاح تمرير 789 مشروعًا بقيمة تفوق 3.4 مليارات دينار دون رقابة كافية.

وتظهر الوثائق أن مشروع صيانة الطريق الساحلي (قطاع مصنع النجمة – القره بوللي) شهد زيادة في التكلفة من 301 مليون إلى 525 مليون دينار عبر أمر تعديلي، دون مبررات فنية أو قانونية، وهو ما يُعد مخالفًا للائحة العقود الإدارية ويثير شبهة فساد واضحة.

أمام كل هذه التجاوزات، يدفع المواطن الليبي الثمن من دمه. تكشف إحصائيات المرور عن تسجيل 9916 حادثًا خلال عام 2024، خلّفت 2441 قتيلًا و4139 جريحًا.

وتتصدر ليبيا قائمة الوفيات عالميًا بمعدل 74.3 وفاة لكل 100 ألف نسمة.

يشير تحقيق موقع المجمع القانوني الليبي إلى أن ما لا يقل عن 20 حادثًا وقع على طريق عين زارة وحده خلال ثلاثة أشهر فقط، بسبب سوء البنية التحتية.

يُحمّل التحقيق المسؤولية لعدة أطراف، أبرزها جهاز تنفيذ مشروعات المواصلات ومصلحة الطرق والجسور في ليبيا ، إلى جانب الأجهزة الرقابية التي فشلت في التصدي للتجاوزات. كما تتحمل الحكومات المتعاقبة قسطًا من المسؤولية بسبب غياب الشفافية وتفشي المحسوبية.

رئيس مصلحة الطرق والجسور (التي حُلّت في فبراير 2025)، المهندس الحسين سويدان، دافع عن أداء المصلحة، مشيرًا إلى تنفيذ 210 مشاريع لمعالجة النقاط السوداء، ملقيًا باللوم على الشاحنات الثقيلة، والتعديات، وغياب الصيانة منذ عام 2014.

يحذر الدكتور العرعود من استمرار غياب الدراسات الفنية المتكاملة، داعيًا إلى تبني معايير دولية محدثة، وربط المشروعات بدراسات بيئية ومرورية وهيدرولوجية، بدلًا من الاعتماد على التنفيذ العشوائي والتكليف المباشر.

ويقول المهندس محمد بويصير، المستشار في مجال الاستثمارات الهندسية، إن تصميم الطرق في ليبيا لا يراعي المعايير الدولية، مستشهدًا بتجربة تكساس الأميركية التي تعتمد على طبقات خرسانية قوية تمنح الطرق عمرًا أطول ومتانة أعلى.

Shares: