اتهمت مجلة “إيكونوميست” البريطانية رئيس الحكومة الليبية منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة، وعائلته، بنهب خزينة الدولة.

وأكدت المجلة في تقرير لها، أن ليبيا، التي كان من المفترض أن تكون من أغنى دول أفريقيا، باتت اليوم على حافة الانهيار الاقتصادي والسياسي.

وأوضحت المجلة أن جهود العاصمة طرابلس لإعادة ضبط عجلة الدولة بعد الإطاحة بالقائد الراحل معمر القذافي عام 2011، قد وصلت إلى طريق مسدود، وسط سخط شعبي متزايد من إدارة فاسدة وعدت الليبيين بتحويل مدينتهم إلى “دبيّ على البحر الأبيض المتوسط”، لكنها أخلفت كل وعودها.

وأكدت المجلة أن سكان طرابلس ضاقوا ذرعًا من الأوضاع المتدهورة، ومن رئيس حكومة مؤقتة نصبته الأمم المتحدة في فبراير 2021، لكنه تمسك بالسلطة ورفض إجراء الانتخابات، ما دفع آلاف المتظاهرين إلى النزول إلى الشوارع مطالبين بإسقاط النظام.

وأضافت أن المتظاهرين رددوا شعارات تطالب بإجراء انتخابات عاجلة، بينما بدأ الليبيون، وحتى الدبلوماسيون الأجانب، يتحدثون عن حكومة الدبيبة بصيغة الماضي، معتبرين أن فرصته في البقاء باتت ضعيفة، ولا مخرج له إلا بإعادة فتح مطار طرابلس.

وفي 12 مايو، شهدت العاصمة موجة عنف غير مسبوقة، تساقطت قذائف الهاون، وانتشرت الشاحنات المسلحة في الشوارع، أطلقت نيران الرشاشات الثقيلة، وسيطر المسلحون على نصف العاصمة. السيارات احترقت، المدارس والأسواق والبنوك أغلقت أبوابها، حتى أن البنك المركزي تعرّض للاقتحام، وسُجلت واقعة غريبة باختطاف أحد الغزلان من حديقة الحيوان.

وتابعت المجلة أن حالة الذعر دفعت بريطانيا إلى التراجع عن توصيات السفر التي خففتها قبل شهر فقط، حيث حذّرت الآن من جميع الرحلات إلى طرابلس، السفن غادرت الميناء بسرعة، وتركيا – الحليف الرئيسي للدبيبة – أرسلت طائرات لإجلاء رعاياها إلى برّ الأمان.

وفي سياق متصل، أوضحت إيكونوميست أن الصراع الكامن بين حكومة الدبيبة، المعترف بها دوليًا، وخليفة حفتر، الحاكم الفعلي للشرق الليبي، بدأ يطفو على السطح مجددًا، ويتحول إلى عنف صريح لم تشهده البلاد منذ خمس سنوات.

رغم أن الدبيبة يتمتع باعتراف دولي، إلا أنه – بحسب المجلة – الطرف الأضعف في هذا الصراع، مقارنةً بخليفة حفتر، الذي أسس لنفسه سلطة مستمرة في الشرق مع أبنائه، ويسيطر على النفط والبرلمان في طبرق ونحو 80% من أراضي البلاد.

وأكد التقرير أن سلطة الدبيبة لا تستند إلى جيش أو مؤسسة رسمية، بل إلى تحالف ميليشيات غير مستقر.

ومع تراجع التمويل، بدأت هذه الجماعات في التمرد، متجهة إلى وسائل جديدة للتمويل مثل اختطاف رؤساء الشركات واحتجازهم كرهائن.

وكشفت المجلة أن تصاعد الغضب الشعبي جعل الدبيبة يشعر بالخطر، فاستدعى عبد الغني الككلي، أقوى قادة الميليشيات في طرابلس، إلى اجتماع في 12 مايو، لكنه لم يخرج حيًا منه، حيث قُتل على يد حراس الدبيبة، الذين بدأوا بعد ذلك حملة ضد قوات الردع الخاصة، أقوى فصيل مسلح منافس.

وتحدثت المجلة عن تحركات عسكرية لأنصار حفتر في الزاوية والزنتان، وتزايد النشاط في سرت وغدامس، قرب الحدود الجزائرية، ربما لفتح جبهات جديدة تصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية لحكومة طرابلس.

بعد أيام من الفوضى، أعلنت الأمم المتحدة ترحيبها بوقف إطلاق النار الذي أُعلن في 14 مايو، لكن الشارع لم يهدأ، آلاف المتظاهرين عادوا للاحتجاج، والمطالب بإسقاط النظام ازدادت، ما دفع عددًا من وزراء حكومة الدبيبة إلى تقديم استقالاتهم.

ورغم أن الدبيبة أرسل عائلته إلى لندن، إلا أنه لا يزال متمسكًا بالسلطة.

وفي محاولة لإظهار السيطرة، استدعى مؤيديه من مسقط رأسه مصراتة، حيث نُشروا في شوارع طرابلس، وأطلقوا النار على المتظاهرين.

وبسبب فقدانه السيطرة على مطار معيتيقة، الذي تسيطر عليه قوات الردع، أعاد الدبيبة فتح مطار طرابلس الدولي المعطّل منذ سنوات، في خطوة رمزية لمحاولة استعادة زمام الأمور.

وفي ختام تقريرها، قالت “إيكونوميست” إن الدبيبة تعهد بتحويل ثكنات الككلي إلى منتزه عام، وتطهير طرابلس من الميليشيات المتبقية التي وصفها بـ”أسماك القرش”، لكن دون هذه المجموعات، قد يصبح موقفه أكثر ضعفًا، وربما ينهار نهائيًا أمام خصومه المدعومين إقليميًا.

Shares: