علّق موسى إبراهيم، المتحدث السابق باسم اللجنة الشعبية العامة، على التسجيل المتداول للمحادثة بين الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر والقائد الشهيد معمر القذافي، مؤكداً أن ما تم تداوله ليس “تسريباً”، بل وثيقة قام عبد الناصر نفسه بتسجيلها.
أوضح إبراهيم في تدوينة نشرها عبر حسابه على “فيسبوك”، أن بعض من وصفهم بـ”فاقدي البوصلة التاريخية” تناولوا هذه المحادثة بسطحية مفرطة، وكأنها مجرد لحظة بوح عابرة، بينما هي في الحقيقة تجسيد لمسيرة نضال مشترك بين رجلين كانا في قلب معركة الأمة العربية الكبرى.
أشار إبراهيم إلى أن عبد الناصر لم يقل في المحادثة إلا ما كان يعلنه صراحة في خطبه ولقاءاته الإعلامية المصرية والدولية.
أضاف إبراهيم أن الحوار لا يمكن فصله عن السياق التاريخي لنضالهما، حيث لم يكن عبد الناصر والقذافي مجرد متحدثين، بل مقاتلين في معركة طويلة النفس من أجل الكرامة العربية.
تطرق إبراهيم إلى دور معمر القذافي، شاب الثورة العربية الذي كان في السابعة والعشرين من عمره عند تسجيل الحوار، وقد قاد ثورة أسقطت الحكم الملكي وطردت القواعد الأجنبية من ليبيا خلال عام واحد، داعياً لحرب عربية شاملة لتحرير فلسطين.
شدد إبراهيم على أن حماسة القذافي لم تكن عاطفة عابرة، بل مشروع مقاومة ممتد، إذ دعم القضايا الفلسطينية واللبنانية والثورات الإفريقية، وواجه العدوان الغربي حتى استشهد مقاتلاً في بلاده عام 2011 أثناء مقاومته لحلف الناتو.
أما عن عبد الناصر، فأكد إبراهيم أنه القائد الذي، رغم جراح هزيمة 1967، حمل مشروعاً حضارياً شاملاً للوحدة العربية، والتحرير الوطني، وبناء الذات عبر الصناعة والزراعة والتعليم.
بيّن إبراهيم أن عبد الناصر أنجز مشروعات كبرى مثل بناء السد العالي، وإنشاء عشرات المصانع، وتقديم التعليم والرعاية الصحية مجاناً، وحافظ على الجنيه المصري كعملة قوية، تاركاً خلفه بلداً خالياً من الديون وأقوى مما عرفه العالم منذ قرون.
وفيما يتعلق بالمحادثة، أوضح إبراهيم أنها جاءت في سياق دقيق من معركة بناء حائط الصواريخ المصري، إذ كان عبد الناصر يتحرك عسكرياً بسرعة منذ 1968، بالتوازي مع خطاب سياسي محسوب، هدفه شراء الوقت لبناء القوة العسكرية.
أضاف إبراهيم أن قبول عبد الناصر لمبادرة روجرز لوقف إطلاق النار لم يكن خضوعاً، بل خطوة استراتيجية لحماية البنية التحتية وتعزيز جاهزية الجيش المصري لعبور قناة السويس لاحقاً، وهو ما أكدته تقارير الصحف الأمريكية عام 1970.
وصف إبراهيم الحوار بين عبد الناصر والقذافي بأنه كان “فضفضة غاضب صبور”، يشتكي فيها عبد الناصر من المزايدات الرخيصة لبعض الأنظمة العربية التي كانت تحرضه على الحرب ثم تتركه وحيداً في المواجهة، بل وتتحالف لاحقاً مع أعدائه.
أكد إبراهيم أن عبد الناصر، رغم الضغوط، لم يقبل عروض السلام مع إسرائيل التي تضمنت التخلي عن سيناء مقابل اتفاقيات مذلة، بل ظل متمسكاً باستعادة كل الأرض العربية، معلناً لاءاته الثلاث الشهيرة في قمة الخرطوم، ومواصلاً حرب الاستنزاف حتى وفاته.
موسى ختم إبراهيم بالقول: “بين عبد الناصر والقذافي، كانت هناك جدلية الحكمة والثورة، بين العقل والبندقية، بين الصبر والهجوم… كلاهما حمل مشروع وحدة وتحرير وبناء، ودفع حياته ثمناً للأمة العربية”.