كشفت تقارير غربية وعربية، عن تقارب مليشيات حفتر مع فرنسا، خاصة بعد زيارته الأخيرة إلى باريس، ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في فبراير الماضي، مما أثار تساؤلات حول مدى التقارب بين الجانبين في الوقت الحالي.

في ذات السياق تناولت التقارير، ما يشير إلى رغبة فرنسية في إيجاد موطئ قدم لقواتها العسكرية في ليبيا، تحديدا في جنوب البلاد في قاعدة ألويغ، التي تقع بالقرب من الحدود من دول مجاورة وهي الجزائر وتشاد والنيجر، مما قد يثير مخاوف لدى هذه الدول من الوجود الفرنسي في هذه المنطقة.

ونتناول في هذا التقرير وجهات نظر من مصادر رسمية في دول الجزائر وتشاد والنيجر، لمحاولة فهم مواقف هذه الدول من نشر فرنسا لقاعدة عسكرية في جنوب ليبيا، وما هي المخاطر المحتملة لذلك.

موقف تشاد من إمكانية تواجد قاعدة عسكرية فرنسية في ليبيا

تدرك دولة تشاد مدى أهمية المنطقة التي تتحدث حولها التقارير لإمكانية نشر قاعدة فرنسية فيها، وهي قاعدة ألويغ جنوب ليبيا، حيث يرى الجانب التشادي أن التواجد الفرنسي في هذه المنطقة سيمكنها من التدخل في أمن ليبيا والنيجر وتشاد، وهو ما ترفضه إنجامينا بكل الطرق.

في هذا الصدد، قال حسين المهاجري، المقدم السابق بالجيش التشادي ونائب رئيس البرلمان سابقا، ورئيس كتلة الوفاق الوطني التشادي، إن قاعدة ألويغ الجوية تبعد عن الجنوب الشرقي لمنطقة القطرون في ليبيا على الطريق الرئيسي المؤدي إلى تشاد والنيجر بحوالي 75 كيلو مترا، وبذلك فهي تعد قاعدة استراتيجية بالنسبة للوجود الفرنسي في هذه المنطقة التي باستطاعة فرنسا وحسب خبرتها في منطقة الساحل أن تلبي لها أغراضا متنوعة، منها على سبيل المثال وليس الحصر من خلال خبرتي وتجربتي المتواضعة بهذه المنطقة مراقبة والاستفادة من خط الذهب المار من شمال تشاد والنيجر إلي الحدود الجزائرية مع النيجر.

وأضاف المهاجري: كما أن هذه المنطقة يمر بها خط التهريب عبر مالي والنيجر مرورًا بشمال تشاد وجنوب ليبيا إلي مصر، وهي منطقة جيوسياسيا من يتحكم بها يتحكم بشكل مباشر بأمن ليبيا وتشاد والنيجر، وضمن الاصطفافات الدولية الجديدة فإن فرنسا كقوة عظمى وجودها في قاعدة ألويغ سيعوض خروجها العسكري من تشاد والنيجر ويعزز استمرار شراكاتها التقليدية في المنطقة، خاصة أنها متهمة مؤخرًا بالبحث عن وجود عسكري لها في خليج غينيا نيجيريا على وجه التحديد، وهي الدولة التي تعتبر مرتع للفساد والمافيات المنظمة والمجموعات الإرهابية، بوكو حرام على وجه التحديد وهي الجماعة التي تتلقى مساعدات حسب الشكوك من فرنسا.

وأردف: علمًا بأن الجنوب الليبي منذ العام2011 مفتوح على مجموعات متعددة لا يحد من حركتها قانون، وفرنسا لها خبرة كبيرة بأهمية هذه المنطقة جيوسياسيًا بالنسبة لليبيا ودول الساحل، وفي الجنوب الليبي تحديدًا بالقرب من قاعدة ألويغ تعيش مجموعات كبيرة من المعارضة التشادية ومجموعات كبيرة من منقبي الذهب وهي خلايا جاهزة ومستعدة في أي وقت بأن تتحول إلى عمل منظم يشكل خطرا حقيقيا لأمن تشاد، وبالنهاية فأن الوجود العسكري الفرنسي في قاعدة ألويغ يشكل خطر دائم على ليبيا نفسها وتشاد والنيجر.

موقف الجزائر من إمكانية تواجد قاعدة عسكرية فرنسية في ليبيا

تتمسك الجزائر بموقف قوي لرفض أي تدخل فرنسي بالمنطقة، خاصة في دول الجوار، لأن هذا الأمر يهدد الاستقرار الإقليمي، ويزيد من حدة الصراعات، هذا فضلا عن الخلافات بين الجزائر وباريس، لذلك تؤكد الجزائر على موقفها القوي لدعم سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

وقال مصدر مسؤول بالجزائر، إن الموقف الجزائري العام من تواجد القواعد العسكرية على مستوى منطقة شمال إفريقيا أو منطقة الساحل أو على المناطق الحدودية للجزائر هو موقف معروف يتسم بالحزم والصراحة والوضوح، وهو الرفض التام لأي تواجد قواعد عسكرية أجنبية مهما كانت لأي طرف كان سواء كانت قوى إقليمية أو دولية وهذا الموقف عبرت عليه الجزائر منذ سنوات ولا زالت متمسكة بهذا المبدأ، وأعتقد بأن الموقف الجزائري الرافض للتواجد العسكري الأجنبي خصوصا عندما نتحدث عن القواعد العسكرية، ونفس الشيء فيما يتعلق بالتدخلات العسكرية الأجنبية ينبع من أساسين اثنين، الأساس الأول وهو أن تواجد القواعد العسكرية في الإقليم هو تقويض لسيادة الدول، وهذا مرفوض على اعتبار أن الجزائر تدعم بقوة سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، النقطة الثانية وهو أن هذه القواعد العسكرية ستجعل من المنطقة مجالا للاستقطاب الإقليمي والدولي.

وأردف المسؤول الجزائري الذي رفض ذكر اسمه: هنا ستتوجه الكثير من القوات الدولية لإنشاء قواعد عسكرية لتصبح ساحة شمال إفريقيا، وساحة دول الساحل ميدانا للتنافس العسكري وهذا ما يضر بالاستقرار والأمن في الإقليم، ويضاف إلى ذلك يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن التجارب السابقة لتواجد القواعد العسكرية في إقليمنا كلها باءت بالفشل، وهذا ما يؤكد بأن هذه التدخلات العسكرية أو وجود القواعد العسكرية لا يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة ولا يخدم حتى التنمية فيها بل يعقد المسألة.

وتابع: لذلك أعتقد بأن التقارير الواردة مؤخرا من إمكانية وجود قاعدة عسكرية فرنسية في الجنوب تحديدا في قاعدة ألويغ وخصوصا بعد زيارة حفتر إلى فرنسا وبداية ابتعاد حفتر عن القوة الروسية واقترابه أكثر من المعسكر الغربي فرنسا بالتحديد، أعتقد بأن هذه التقارير تؤكد مرة أخرى على أولا أن المنطقة ما زالت في حالة استقطاب للأسف الشديد، وبأننا نتجه إلى مزيد من هدر الوقت والزمن لعودة الأوضاع في ليبيا إلى وضعها الطبيعي، والنقطة الثانية أن هذه التدخلات العسكرية وهذه القواعد، التي تتحدث عنها التقارير مؤخرا بدون شك سيزيد من حدة الاستقطاب الإقليمي والدولي في هذا الإقليم، والخاسر الأكبر هو الشعب الليبي والدولة الليبية، وأكثر من هذا أعتقد وجود قاعدة عسكرية فرنسية في جنوب ليبيا في هذا الوضع الحالي المتأزم سواء ما يتعلق في منطقة الساحل سواء ما يتعلق بمنطقة شرق إفريقيا في السودان أيضا كلها عوامل ستزيد من التوتر، وستزيد من حالة اللايقين وستزيد من حالة اللاثقة بين الدول، وإذن أعتقد بأن الموقف الجزائري واضح في هذا الأمر.

موقف النيجر من إمكانية تواجد قاعدة عسكرية فرنسية في ليبيا

تتبنى النيجر موقف مماثل لتشاد والجزائر، في رفض التدخلات الأجنبية، خاصة الحديث الدائر عن إمكانية تواجد قوات فرنسية بقاعدة عسكرية في دولة ليبيا المجاورة، حيث ترى نيامي، أن باريس تسعى لإيجاد موطئ قدم لها بالمنطقة، والتدخل في شئون دولها، وهو ما يهدد حالة الإسقرار بالإقليم، خاصة في دول الساحل التي تريد باريس الانتقام منها بعد خروجها من هذه الدول.

أكد مصدر دبلوماسي من دولة النيجر، أن بلاه ترفض أي وجود لقوات فرنسية في الأراضي الليبية المجاورة، مشيرًا إلى أهمية الموقع الذي تتحدث عنه التقارير لإمكانية تواجد قاعدة عسكرية فرنسية في جنوب ليبيا، تحديدا في قاعدة ألويغ العسكرية.

وأوضح المصدر الدبلوماسي الذي رفض ذكر اسمه أيضًا: في النيجر، علمنا أيضًا بشائعات مفادها أن فرنسا تريد إقامة وجود عسكري في جنوب ليبيا بالقرب من الحدود مع بلادنا، وهذا أمر لا يفاجئنا، بالنظر إلى أن فرنسا حريصة على زعزعة استقرار دولنا (بوركينا فاسو ومالي والنيجر) بكل الوسائل.

وتابع: بالفعل، مع زيارة حفتر إلى فرنسا ولقائه مع إيمانويل ماكرون، وكذلك وإطلاق سراح محمد صلاح، وهو نيجري حمل السلاح لزعزعة استقرار بلاده لصالح قوة أجنبية، يدفعنا إلى التفكير مليًا في هذا التقارب بين هذين البلدين من أجل أمننا القومي، وللتذكير، فإن تطور الإرهاب في منطقة الساحل هو نتيجة لزعزعة استقرار ليبيا من قبل فرنسا من خلال حلف الناتو.

وأردف: نحن في النيجر نرفض أي تواجد عسكري فرنسي في ليبيا، ولا نريد أن تكون هناك قوة فرنسية تهدد استقرار المنطقة في دولة مجاورة لنا، خاصة بعد خروج القوات الفرنسية من النيجر، وسيكون هناك خطر كبير على ليبيا ودول الجوار، إذا تمكنت فرنسا من إيجاد موطئ قدم لها في هذه القاعدة الاستراتيجية، حيث سيكون باستطاعة فرنسا التدخل في شئون الدول الأخرى من منطلق القوة، خاصة في دول الساحل التي تعرضت فيها فرنسا لضربات قوية خلال السنوات القليلة الماضية، وخروجها من هذه الدول، لذلك سوف تسعى لاستعادة قوتها بالمنطقة الاستراتيجية.

في النهاية، نستخلص أن هناك مخاوف لدى دول الجوار مع ليبيا، خاصة الجزائر وتشاد والنيجر، من إمكانية تواجدي عسكري فرنسي في ليبيا، خاصة وأن هناك خلافات بين هذه الدول وباريس، التي خسرت الكثير من قوتها في هذه المنطقة الاستراتيجية، وتريد أن تعود بقوة للمنطقة، وتعزيز تواجدها، ويبدو أنها وجدت الحليف المناسب لذلك، من خلال تقوية العلاقات مع حفتر، وبحث إمكانية نشر قاعدة عسكرية فرنسية في جنوب ليبيا.

Shares: