حذر المجلس الأطلسي من مسار انهيار اقتصادي تتجه إليه ليبيا بسبب حجم الفساد المسيطر على المؤسسات الوطنية، والنفوذ الضخم الذي تملكه التشكيلات المسلحة في الهياكل النقدية والمالية.

الباحث في برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي عماد الدين بادي أكد في مقاله  في قناة روسيا اليوم، أن إنهاء هذا المسار يتطلب أكثر من مجرد إرادة سياسية.

أشار بادي إلى أن قرار المركزي بتعديل سعر الصرف الرسمي حل مؤقت لوقف الانهيار الاقتصادي.

بادي لفت إلى قفزة سعر الصرف في السوق الموازية دليل على فقدان ثقة المواطن الليبي بالمؤسسات المالية للدولة.

وشدد المقال على ضرورة حماية المؤسسات الوطنية وضمان وجود آليات المحاسبة والإشراف العام، والكشف الإلزامي عن أوجه النفقات والعائدات، كخطوة أولى لوقف الفوضى السائدة في المؤسسات النقدية والمالية.

المقال اعتبر توحيد الحكومة دون إصلاح الهيكل النقدي سيؤدي إلى مركزية الفساد تحت مظلة إدارة موحدة.

تحدث المقال عن إيقاع مستمر منذ سنوات يكشف كارثة الانهيار الاقتصادي في ليبيا، حيث انتقلت البلاد من حالة الاختلال الوظيفي نحو الانهيار الكامل، فما بدا أنه مستنقع هش متماسك بفعل عائدات النفط، وميزان هش من النقد الأجنبي، بات في حالة ماسة إلى الإصلاح، موضحا أنه لا يمكن إنكار البيانات النقدية بعد الآن.

المقال أشار لتحذير اقتصاديون ومحللون لأشهر طويلة من هذا المسار، ولم تعتمد تلك التحذيرات على نماذج مجردة بل على ملاحظات يومية، أبرزها التضحم المرتفع، وعجز الموازنة الآخذ في الاتساع، والاختفاء التدريجي للإشراف العام.

المركزي انضم إلى قائمة المحذرين من الوضع الراهن، وجاءت تحذيراته “النادرة” واضحة وصارخة وتتعلق بالإنفاق غير المنضبط، حيث كشف عن إنفاق حكومة الوحدة 109 مليارات دينار في العام 2024، بينما راكمت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في الشرق 49 مليار دولار من التزامات الإنفاق.

بادي أكد أن تلك الأرقام تعكس إما الجهل أو عدم الاكتراث بتداعيات الإنفاق غير المنضبط، وتكشف حجم الاستيلاء على الدولة والفوضى النقدية، إلى جانب تلك التحذيرات، عدل المصرف سعر الصرف الرسمي، ورفعه إلى 5.48 دينار للدولار الواحد.

مراقبون اعتبروا قرار المركزي تعديل سعر الصرف الرسمي خطوة لاحتواء الأزمة، عده مقال المجلس الأطلسي “حلا مؤقتا، في مسعى لاستيعاب التجاوزات السياسية بفضاء نقدي آخذ في التقلص”.

الباحث أضاف: “المؤسسات التي عملت في السابق على إرساء الاستقرار في النظام، عبر الإشراف على الموازنة وتدقيق دائرة العائدات والإشراف المركزي، قد تقلصت ولم يتبق سوى اقتصاد يعتمد على الارتجال والصفقات الخفية والموائمة السياسية”.

الباحث بادي يقول: “يجري تمرير تلك الصفقات بعيدا عن الموازنة العامة بشكل كامل من خلال وسطاء غير رسميين في إطار شبكات عابرة للحدود.. وعلى الرغم من تعهد مؤسسة النفط بإنهاء تلك الممارسات، فقد طغت عليها ترتيبات أكثر تعقيدا وغموضا، مما يعكس تطور أكبر في نظام الفساد المبتكر في ليبيا”.

وفي تلك الأثناء، تمكنت المجموعات المسلحة من ترسيخ نفسها بشكل أعمق في هيكل اقتصاد الطاقة بليبيا.

ففي شرق وغرب البلاد، رسخت التشكيلات المسلحة نفسها في المؤسسات الحيوية، مثل شركة الكهرباء العامة، حيث تتأثر الاختيارات التشغيلية بمعايير طبقة الفساد التي وصفها المقال بـ”كليبتوقراطية” أكثر من المعايير المؤسسية.

وبين عماد الدين بادي أنه في الفترة بين عامي 2022 2024، جرى تهريب 1.12 مليون طن من الديزل بشكل غير مشروع من ميناء بنغازي القديم من خلال طلبات التوريد الصادرة عن شركة الكهرباء، وعرقلة عمليات التدقيق، والتلويح باستخدام العنف.

كما انزلقت المؤسسة الوطنية للنفط أيضا إلى تلك الشبكة بحسب المقال، إذ سمحت صفقات مشبوهة للشركات ذات الصلات السياسية بتأمين عقود مشتريات وامتيازات تشغيلية مما قضى على الخط الفاصل بين إدارة الموارد الوطنية ومواءمة النخبة.

ويتابع الباحث علاء الدين بادي قائلا: “تسارعت تلك الآليات منذ العام 2022 في أعقاب تعيين فرحات بن قدارة رئيسا للمؤسسة الوطنية للنفط، كان المقصود هو تخفيف التوترات التنفيذية، لكن تلك الخطوة رسخت النفوذ السياسي على عمليات المؤسسة”.

وصف المقال الوضع الراهن بـ”افتراس هيكلي”، مضيفا: “أنه نظام مصمم للفشل والاستنزاف في آن واحد نادرا ما يجرى توجيه الثروة العامة إلى خدمات أو تنمية وطنية، بل يجرى الاستيلاء عليها وتوزيعها عبر شبكات فساد وعقود غير قابلة للتتبع وحسابات خارجية”.

الباحث يرى لإصلاح هذا الانهيار الاقتصادي، أن “الأمر يتطلب إعادة هيكلة سياسية”، وإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية كمراكز حوكمة وطنية، وليست أدوات في نظام تمويل فئوي.

المقال دعا المجتمع الدولي سواء المانحين أو المؤسسات المتعددة الأطراف أو البعثات الدبلوماسية، إلى التوقف عن التعامل مع الانهيار الاقتصادي كناتج ثانوي للانقسام السياسي في ليبيا، مؤكدا أن الاستقرار القائم على الفساد لن يكون استقرارا مستداما.

اختتم بادي مقاله بالقول: “ليبيا ليست محكومة بالفشل لكن مسارها الراهن غير قابل للاستدامة ليس فقط لانخفاض سعر برميل النفط بل لتبخر الإرادة السياسية للحكم بنزاهة منذ زمن طويل”.

Shares: