طالبت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا هيئة النيابة العامة بفتح تحقيق عاجل وشامل في ملابسات وفاة المواطن التونسي “فتحي محمود بن علي الزعيري” الملقب بـ”التونسي” داخل سجن الكويفية بمدينة بنغازي، والتي أرجعتها المؤسسة إلى التعذيب الجسدي المبرح.

وأوضح قسم تقصي الحقائق والرصد والتوثيق بالمؤسسة، في تقرير أصدره، أن الزعيري البالغ من العمر 56 عاماً، توفي يوم الخميس 17 أبريل الجاري، بعد فترة اعتقال استمرت منذ 5 أبريل 2025م، ولم يتم تسليم جثمانه لعائلته حتى الآن.

وذكر التقرير أن الضحية، الذي كان يقيم في ليبيا منذ سنوات طويلة ويمتلك محلاً تجارياً لبيع العطور والبقوليات، تم اعتقاله منذ العام الماضي 2024م بسبب “مزاعم السحر والشعوذة”، ضمن حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد مشايخ الصوفية من قبل ما يسمى إدارة العمليات الأمنية فرع بنغازي الكبرى.

وأشار التقرير إلى أن المعتقلين الذين كانوا محتجزين في سجن رأس المنقار، تم نقلهم إلى سجون قرنادة بشحات والكويفية ببنغازي، الخاضعين لسلطة وإدارة الشرطة والسجون العسكرية التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية.

وأكدت المؤسسة أن الزعيري رفض الاعتراف بما نُسب إليه من تهم السحر والشعوذة “تحت الإكراه والتهديد والتعذيب”، وأنه طوال فترة اعتقاله التعسفي “خارج نطاق القانون، لم يُعرض على النيابة العامة للفصل في حقيقة الاتهامات الموجهة إليه إلى أن توفي تحت التعذيب”.

ونوهت المؤسسة إلى أن حالة الزعيري هي “الحالة الرابعة التي تُسجل لضحايا الوفاة تحت التعذيب الجسدي المبرح للمعتقلين على خلفية الانتماء الديني للتيار الصوفي والمعتقلين بمزاعم السحر والشعوذة”.

واعتبرت المؤسسة أن هذه الواقعة “انتهاك خطير لحقوق الإنسان، وتشكل خرقاً لقانون العقوبات الليبي، والقانون رقم (10 لسنة 2013م) في شأن التعذيب والإخفاء القسري”.

كما أنها “خرق للاتفاقيات والمعاهدات الدولية في شأن إدارة السجون ومرافق الاحتجاز المؤقت ومعايير حقوق الإنسان وحقوق السجناء والموقوفين”.

وأضافت أن هذه الممارسات تعتبر “ضرباً من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وفق ما أقرته الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب” لعام 1984م، والتي صادقت عليها وانضمت إليها ليبيا في سنة 1989م.

ودعت المؤسسة النيابة العامة، ممثلة في مكتب المحامي العام بمحكمة استئناف بنغازي، إلى “استجلاء أسباب وظروف وفاة الضحية، وضمان عرض جثمان الضحية على الطب الشرعي، والتأكد من صحة تلك المزاعم”، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد المتورطين “إما مباشرة أو بالمساعدة أو بالإهمال أو التقصير في الأداء الواجب وفقاً للتشريعات النافذة”.

وشددت المؤسسة على ضرورة “تمكين أهالي وذوي الضحية من الوصول إلى العدالة، وإنصافهم من خلال ما تُسفر عنه نتائج التحقيقات وتقرير الطب الشرعي”.

وفي سياق متصل، أفاد سجناء أُفرج عنهم مؤخرا من سجن الكويفية الأمني العسكري في بنغازي باستمرار الانتهاكات الجسيمة داخل السجون الليبية دون أي رقابة أو محاسبة.

وبحسب تقرير لقناة ليبيا الأحرار، قال السجناء، الذين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، إن الأوضاع داخل السجن مزرية للغاية وغير إنسانية، مؤكدين أن بعض السجناء تحصلوا على أحكام بالبراءة، لكنهم لم يُفرج عنهم.

وأوضحوا أن السجانين يمارسون الضرب والتعذيب الوحشي دون أسباب تستوجب العقوبة، بالإضافة إلى ممارسات عنصرية تستهدف الهوية الشخصية بتعيير السجناء بمناطقهم ومدنهم.

وأضاف السجناء أن غرف السجن الجديدة، المعروفة بـ”عنابر الاستاك”، تفتقر إلى الأسرّة والفرش، حيث ينام السجناء مباشرة على الأرض دون غطاء، بحسب قولهم.

وعن الحالة الصحية للمساجين، أشاروا إلى تفشي الأمراض مثل السل وحساسية الجلد، مؤكدين أن هذه الأمراض أدت إلى وفاة 17 سجينًا خلال عام واحد بسبب المرض والتعذيب، واصفين الوضع الصحي بالمخيف.

كما لفتوا إلى عدم وجود رعاية صحية، مما يزيد من انتشار الأمراض النفسية والخوف بسبب سماع أصوات صراخ السجناء تحت التعذيب.

وبخصوص النساء والقُصّر، أفادوا بأن النساء والقُصّر الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا لم يسلموا من التعذيب والضرب والإهانات، مع إصدار أحكام قاسية تصل إلى 10 أو 15 عامًا، وحتى الإعدام.

كما أشار السجناء إلى سوء التغذية وأن الطعام غير كافٍ لسد الجوع، ومياه الشرب محدودة للغاية، حيث يُسمح للسجين بأقل من لتر واحد يوميًا.

وعن زيارات الأهالي، أكدوا أن الزيارات شبه معدومة، حيث تُسمح مرة واحدة فقط في السنة لمدة 15 دقيقة، مع وجود حاجز بين السجين والزائرين، موضحين أن الأطعمة والفواكه والملابس التي يرسلها الأهالي لا تصل إلى السجناء، بل يتم بيعها خارج السجن.

وأكدوا أن البعثات الأممية والمنظمات تُوَجَّه، أثناء زيارتها للسجون، إلى العنابر التي لا يُمارس فيها التعذيب لإخفاء الحقيقة.

Shares: