كشفت دراسة بحثية صادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس” البريطاني عن تطور أنشطة تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في ليبيا عبر ثلاث مراحل رئيسية، مشيرة إلى تنامي التعاون بين شبكات التهريب والجهات الأمنية الرسمية خلال السنوات الأخيرة.
وأوضحت الدراسة، التي أعدها الباحث في شؤون الشرق الأوسط تيم إيتون والباحثة المستقلة لبنى يوسف، أن المرحلة الأولى امتدت من 2011 إلى 2017، حيث شهدت البلاد صراعات مسلحة متواترة بين مجموعات اجتماعية متنافسة على السلطة والشرعية، مما أدى إلى انتعاش الاقتصاد غير النظامي.
وخلال المرحلة الثانية (2017-2019)، شهدت ليبيا توسعاً خارجياً وظهور ما وصفته الدراسة بـ”ممارسات الاستغلال مقابل الربح”. وأدت السياسات الأوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية إلى تطوير “صناعة الهجرة” في ليبيا، حيث تم تفويض إدارة الهجرة إلى شبكة من الجهات الفاعلة الخاصة والعامة المترابطة.
أما المرحلة الثالثة، التي بدأت منذ 2020 وتستمر حتى الآن، فتتميز بتنظيم أنشطة التهريب داخلياً وتعاون وثيق بين شبكات التهريب والجهات الأمنية الرسمية. وقد لعب “إغواء الربح” دوراً رئيسياً في هذه المرحلة، حيث واصلت الجهات الأمنية من كلا الجانبين في شرق وغرب البلاد الاستفادة من حركة الأشخاص.
وركزت الدراسة على ثلاث مناطق رئيسية هي الكفرة وسبها والزاوية. ففي الكفرة، لوحظ مستوى مرتفع من التنسيق بين قبائل التبو والوحدات الأمنية الرسمية، مع تداخل أنشطة تهريب المهاجرين مع عمليات تعدين الذهب في المنطقة.
وفي سبها، أدى انقسام المدينة إلى مناطق نفوذ إلى تنظيم أنشطة التهريب على أسس المصلحة، مما أسهم في تحسين مستويات الأمن وتعزيز الاقتصاد المحلي. أما في الزاوية، فقد اكتسبت شبكات التهريب طابعاً شرعياً من خلال تكاملها مع أطر الأمن الوطني واستغلال المنشآت النفطية.
وانتقدت الدراسة الجهود الأوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية، معتبرة أنها تركز على معالجة الأعراض وليس الأسباب الجذرية.
وأشارت إلى أن الصفقات المبرمة بين أوروبا وأطراف في ليبيا، رغم نجاحها في خفض تدفقات الهجرة مقارنة بعام 2016، قد أطالت أمد الصراع وجعلت القضية أكثر تعقيداً.
وخلصت الدراسة إلى أن الاستراتيجية الأكثر فاعلية لمعالجة أزمة الهجرة غير النظامية من ليبيا تتمثل في تطوير نهج شامل يتضمن، إلى جانب إنفاذ القانون، مبادرات للتنمية المحلية المستدامة وجهود بناء السلام، مما من شأنه تقليل الطلب على الهجرة والحد من البيئة المواتية لعمل المجموعات الإجرامية.