سلطت صحيفة “سبوتنيك” الضوء على إعلان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، اقترابها من الانتهاء من عملية فرز المرشحين لعضوية اللجنة الاستشارية المحددة المدة بسقف زمني واضح وتهدف إلى تقديم مقترحات وخيارات، دون أن تشمل صلاحيات اتخاذ قرارات.

ونقلت الصحيفة تحذير خبراء سياسيين من احتمالية حدوث خلافات جديدة حال ضمت اللجنة أسماء مثيرة للجدل، مؤكدين أن اختيار شخصيات جدلية قد يؤدي إلى تعميق الانقسام السياسي بدلًا من الدفع نحو حلول سلمية للأزمة، مشيرين إلى ضرورة اختيار شخصيات تحظى بقبول واسع لتحقيق أهداف اللجنة بنجاح.

وأكد المحلل السياسي الليبي حسام الدين العبدلي، في تصريح نقلته “سبوتنيك”، أن آلية اختيار أعضاء اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تبدو قديمة ولا تعود لفترة قريبة، مرجحًا أن التحضيرات بدأت منذ عهد المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي.

وأوضح أن باتيلي أجرى لقاءات مع عدد من القبائل والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى سياسيين ونخب ليبية، بهدف التوصل إلى شخصيات بعينها لاختيارها ضمن اللجنة الاستشارية.

وأضاف العبدلي أن باتيلي كان يسعى آنذاك لتشكيل لجنة رفيعة المستوى تتولى مهمة الإعداد لتشكيل حكومة جديدة، إلا أن هذا التوجه اصطدم بخلافات سياسية بين الأطراف الليبية، لا سيما مجلسي النواب والدولة، إلى جانب رفض بعض الدول الخارجية المتدخلة في الشأن الليبي.

وأشار العبدلي إلى أن المبعوثة الأممية التي كلفت سابقا ستيفاني خوري استكملت المسار الذي بدأه باتيلي، حيث عقدت لقاءات مع الشباب الليبي في مدن عدة مثل طرابلس وبنغازي بهدف اختيار نخبة قادرة على المساهمة في حل الأزمة الليبية.

وأبدى العبدلي استغرابه من إعلان البعثة الأممية في منشور لها شكر بعض الجهات التي قدمت ترشيحات للأعضاء، متسائلًا: “من هم هؤلاء الأشخاص الذين رشحوا الأسماء؟ هل هم أعضاء من مجلس النواب؟ أم مجلس الدولة؟ أم ممثلون عن الحكومات المختلفة؟” معتبرًا أن هذا الغموض يثير الكثير من علامات الاستفهام.

وبيّن المحلل السياسي الليبي أن اللجنة الاستشارية، وفق تصريحات البعثة، لن تكون مخولة باتخاذ قرارات أو إجراء تعيينات، وإنما تقتصر مهامها على وضع خطة أو خارطة طريق لتشكيل حكومة جديدة وربما تعديل بعض القوانين الانتخابية، بما في ذلك تلك التي وضعتها لجنة “6+6”.

وأكد أن نجاح اللجنة يعتمد بشكل أساسي على دعم دولي وتأييد من الأطراف المتدخلة في الصراع الليبي، وقال: “إذا لم تحظَ هذه اللجنة بالدعم اللازم، فإن نتائجها ستكون ضعيفة وغير قابلة للتنفيذ، كما حدث مع لجان واتفاقات سابقة”.

وحذر العبدلي من خطورة اختيار شخصيات جدلية في اللجنة الاستشارية، خصوصًا من النخب التي شاركت في الحوارات منذ عام 2012، حيث قال: “هذه الشخصيات ستؤدي إلى رفض الشارع الليبي لها، وربما تتسبب في حملات تخوين ضد أعضاء اللجنة الاستشارية، لأن الليبيين لم ينسوا دور هذه الشخصيات في مراحل الحروب والانقسام”.

وشدد على ضرورة أن تضم اللجنة أسماء تحظى باحترام وثقة الليبيين، وتكون بعيدة عن الصراعات والانتقامات السابقة، إلى جانب ضرورة دعمها من المجتمع الدولي والأطراف المتداخلة في الأزمة.

وأكد العبدلي أن الشعب الليبي يعاني من انقسام سياسي وأوضاع اقتصادية متدهورة، ويحتاج إلى بصيص أمل ينقذه من هذا الوضع المتأزم، ودعا البعثة الأممية إلى لعب دور فعّال في إخراج البلاد من دوامة الفوضى، مشددًا على أهمية تشكيل حكومة موحدة ودستور جامع، للوصول إلى انتخابات حرة يختار فيها الليبيون شخصيات وطنية تحترم بلادهم ولا ترى في مؤسسات الدولة غنيمة للنهب.

وقال المحلل السياسي أحمد التهامي إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تواصل إدارة اختياراتها وفق توجهات وصفها بالمنحازة، مشيرًا إلى أن الاختيارات تتم وفق أمزجة موظفي البعثة الذين يُظهرون انحيازًا واضحًا لجماعة الإخوان والتيارات التكفيرية التي تسيطر على طرابلس.

وأضاف التهامي في تصريح نقلته “سبوتنيك” أن هناك حديثًا عن مناقشة مسار الحكومة الجديدة واستمرارية الهيئات الحالية، إضافة إلى بحث القوانين الانتخابية والاختلافات بين مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة حول المواد المتعلقة بها.

وأوضح أن الاختيار العشوائي وغير الفعّال الذي تنتهجه البعثة سينعكس سلبًا على أي نتائج قد تخرج بها اللجنة، مما سيؤدي إلى استمرار حالة الجمود السياسي وتعقيد المشهد بدلًا من الوصول إلى حلول حقيقية للأزمة الليبية.

واعتبر أن هذا النهج سوف يساهم في إضعاف الثقة بين الأطراف السياسية ويزيد من حالة الانقسام، وهو أمر معتاد في مثل هذه السياقات نتيجة لغياب الشفافية والاعتماد على أجندات خارجية”.

وأشار التهامي إلى أن هذا النمط من العمليات عادة ما ينتهي بتشكيل حكومة جديدة لا تلبث أن تواجه سحب الاعتراف بها من أحد الأطراف، مما يُبقي الأزمة في دائرة مفرغة لا نهاية لها، حيث تتكرر نفس السيناريوهات دون أي تقدم يُذكر.

وأضاف أن هذه الدوامة تؤدي إلى إهدار الوقت والموارد، وتعطيل مشاريع التنمية والإصلاح، فضلاً عن ترسيخ حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تُثقل كاهل المواطن الليبي وتعيق بناء الدولة الحديثة.

Shares: