في خطوة أثارت الكثير من الجدل، أفرجت السلطات الإيطالية مؤخرًا عن أسامة نجيم، أحد أبرز قادة المليشيات الليبية بعد اعتقاله في تورينو، لترحّله لطرابلس على متن طائرة حكومية خاصة.

ولم يكن هذا القرار الأول من نوعه، إذ سبقه إطلاق سراح صدام حفتر، نجل قائد مليشيات شرق ليبيا، بعد توقيفه في مطار نابولي بناءً على مذكرة دولية صادرة عن السلطات الإسبانية.

موقع “العربي الجديد”، الممول من قطر، تناول في تقرير له التحركات الإيطالية، التي تتسم بالمرونة إزاء قادة المليشيات الليبية، فتحت باب التساؤلات حول أهداف روما الحقيقية، وسط اتهامات داخلية بأنها تتجاهل التزاماتها الدولية لصالح حسابات سياسية واقتصادية.

وصف نواب إيطاليون إطلاق سراح نجيم بـ”الخيار السياسي”، مشيرين إلى أن وزير العدل الإيطالي تقاعس عن طلب حبسه احتياطيًا تمهيدًا لتسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

من جهتها، بررت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني القرار بأنه جاء بناءً على خطورة نجيم كشخصية مؤثرة، معيدة المسؤولية إلى محكمة الاستئناف الإيطالية.

على الجانب الليبي، لم تصدر حكومة الوحدة أي تعليق على القضية، رغم الدعوات الصريحة من المحكمة الجنائية الدولية والبعثة الأممية في ليبيا لاعتقال نجيم أو تسليمه.

ويرى مراقبون أن صمت الحكومة يعكس ضعف سيطرتها على المليشيات النافذة، والتي تمسك بمفاصل القرار.

وأكد التقرير أن الواقعة تؤكد استمرار التعقيد في علاقة إيطاليا مع المليشيات الليبية. فمن جهة، تسعى روما لحماية مصالحها في مجالي الطاقة والهجرة غير النظامية، ومن جهة أخرى، تبني علاقاتها على أساس التحالف مع قادة المجموعات المسلحة، سواء في الشرق أو الغرب.

التقرير شدد على أن النقابة الوطنية للقضاة في إيطاليا، أصدرت أمس الأحد بياناً كذبت فيه التصريحات التي أدلت بها ميلوني، والتي انحازت فيها لما أعلنه وزير الداخلية ماتّيو بيانتيدوسي أن إخلاء سبيل نجيم جاء بناء على أمر قضائي، مشيرة إلى أن الحكومة اتخذت قرار إبعاده لأنه عنصر خطير.

وذكرت النقابة، في بيانها: “الحقيقة أن إخلاء سبيل نجيم يوم 21 يناير/كانون الثاني الحالي مرجعه تقاعس وزير العدل (كارلو نورديو) الذي كان بإمكانه، وكان يتعين عليه احتراماً للالتزامات الدولية، طلب حبسه احتياطياً تمهيداً لتسليمه إلى الجنائية الدولية”. ورأت أن نجيم “أُخلي سبيله بناء على خيار سياسي”..

ولا يرى المحامي والناشط الليبي إبراهيم النجاح في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الرواية الإيطالية حول إطلاق سراح نجيم “مقبولة أو صحيحة”، متسائلاً أنه “إذا كان السبب خطأ إجرائياً في عدم الإبلاغ عن مذكرة الاعتقال، فما سبب الاعتقال من أصله؟”.

ويضيف النجاح أن “كلّ القضية تثير شبهات كبيرة حول وجود اتصالات جرت في الكواليس مع طرابلس دفعت روما للتراجع عن قرار اعتقالها لهذا المليشياوي، ربما حفاظاً على مصالحها في غرب البلاد التي يمكن أن يهددها أنصاره”.

وعن صمت حكومة الوحدة، يعتبر النجاح أن أي موقف من الحكومة “لن يكون كافياً في توضيح ما جرى، فهي لا تملك أي سلطة حيال نفوذ المليشيات القابضة على مفاصل القرار والحكم”.

ويلفت إلى أن علاقة إيطاليا بليبيا مختلفة ومرّت بالكثير من التعقيدات، فبالإضافة إلى تاريخها المليء بالأحداث، هناك الموقع الجغرافي للبلدين الذي هو على تماس في الكثير من المصالح.

وأضاف أن روما تدرك أن علاقاتها مع طرابلس “لا تحمل أسساً متينة لتحسينها فضلاً عن تمتينها، وأن علاقتها غير الحسنة بالليبيين لا يمكن إخفاؤها عن المجتمع الدولي”.

التقرير أوضح أن تعامل السلطات الإيطالية مع قضية نجيم، يجدد الحديث عن طريقة تعاملها مع قادة المليشيات.

ففي أغسطس احتجزت الأجهزة الأمنية في مطار نابولي، نجل قائد مليشيات شرق ليبيا خليفة حفتر، صدام، بعد ظهور اسمه على قاعدة بيانات مشتركة للاتحاد الأوروبي كمطلوب للسلطات الإسبانية على خلفية إضراره بمصالح تتعلق بشركة ريبسول النفطية الإسبانية بليبيا.

وبدلا من تسليمه، أطلقت السلطات الإيطالية سراحه بعد ساعات من احتجازه.

وفي يوليو 2017، كشفت وكالة أسوشييتد برس وصحيفة واشنطن بوست الأميركيتان عن عقد السلطات الإيطالية اتفاقات مع مليشيات غرب طرابلس، لوقف تدفق المهاجرين باتجاه سواحلها، وهو ما أكدته مليشيا أنس الدباشي بمدينة صبراتة غرب طرابلس.

وعلى الرغم من طول تاريخ العلاقة بين ليبيا وإيطاليا، إلا أن الحديث عنها مرتبط بملفات محددة، أبرزها ملف الهجرة غير النظامية، والطاقة، ففي الأول تعد ليبيا مصدر قلق مستمر لإيطاليا، وفي الملف الثاني، تعد روما من أكثر المستثمرين الأجانب في حقل الطاقة الليبي.

وتحكم العلاقة الإيطالية بالجانب الليبي عوامل أخرى، من بينها التنافس الإيطالي الفرنسي في ليبيا، فبينما كانت باريس تدعم حفتر في الشرق، كانت روما قريبة من الحكومة والمجموعات المسلحة في الغرب.

ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية الليبي رمضان النفاتي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن إطلاق نجيم يلقي المزيد من المؤشرات على علاقات روما غير المعلنة مع قادة المليشيات الليبية، وذلك، بحسب رأيه، يعد مساهمة منها في تعزيز “سلطة الأمر الواقع التي تفرضها المليشيات”.

ويرى النفاتي أن إيطاليا على طول مسار علاقاتها مع ليبيا “تحافظ على مصالحها في هذا البلد، على حساب استقراره”، معتبراً أن تحالفات روما مع قادة السلاح كانت سبباً في تغذية الصراع الليبي.

ويقول النفاتي، إن السياسة الإيطالية في ليبيا قائمة على التوتير والتأزيم”، معتبراً أنها “مقصودة، لأن تعدد الأطراف الليبية يخدم مصالح روما، فهي من تبنّت فكرة التقسيم الثلاثي في ليبيا زمن الاستقلال مع بريطانيا في مشروع بيفن سيفورزا الشهير، وعارضت بقوة توحيد الولايات الثلاث من بعد”.

Shares: