كشف تقرير نشره موقع “فورميكيه” الإيطالي عن دور مثير للجدل للصين في ليبيا، حيث قامت بتوريد طائرات مسيّرة عسكرية إلى مليشيات حفتر، في تناقض واضح مع خطابها المعلن الداعي للسلام والاستقرار العالمي.
وأكد الموقع، في التقرير الذي ترجمه موقع “عربي21″، الممول من قطر أنه وفقاً للتحقيقات التي أجرتها صحيفتا “ديفينس نيوز” و”تليجراف”، قامت الصين بين عامي 2018 و2021 بتنسيق عملية لتزويد مليشيات حفتر بـ 92 طائرة مسيرة.
وللالتفاف على عقوبات الأمم المتحدة، تم تمويه هذه الشحنات على أنها مساعدات لمكافحة كوفيد-19، مستخدمة شركات واجهة مسجلة في المملكة المتحدة ومصر وتونس.
التقرير أكد أن الهدف المعلن من هذه العملية كان هو “استخدام الحرب لإنهاء الحرب بسرعة” من خلال تسريع انتصار حفتر والإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.
وكشفت التحقيقات أن بكين سعت من خلال هذا الدعم إلى ضمان دور مميز في مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية والحصول على النفط بأسعار مخفضة.
وأكد التقرير أن الطائرات المسيرة لعبت دوراً محورياً في الصراع الليبي، حيث استخدمت حكومة الوفاق الوطني طائرات “بيرقدار TB2” التركية، بينما اعتمد حفتر وحلفاؤه على طائرات “وينغ لونغ 2” الصينية المتطورة.
وقد أظهر هذا الصراع أهمية هذه التقنيات ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضاً في التأثير على التوازنات الجيوسياسية.
التقرير لفت إلى أن هذا السلوك الصيني يأتي في تناقض صارخ مع مبادراتها المعلنة مثل “الأمن العالمي” و”التنمية العالمية”، التي تروج لمفاهيم التناغم والتنمية المشتركة والأمن الجماعي.
كما يثير التساؤل حول ازدواجية السياسة الصينية، خاصة أن بكين كانت قد أدرجت ليبيا ضمن مبادرة الحزام والطريق في يوليو 2018، في نفس الفترة التي كانت تقدم فيها المساعدة العسكرية لخصوم الحكومة الليبية.
وفقاً للخبراء، يعكس هذا السلوك تحولاً محتملاً في السياسة الصينية من النهج الدبلوماسي البحت إلى استراتيجية براغماتية تهدف إلى حماية مصالحها حتى من خلال أنشطة غامضة خلف خطوط النزاع.
ويثير هذا التحول مخاوف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من احتمال خروج الصين عن “منطقة الراحة” التقليدية وتبنيها مواقف أكثر عدوانية في السياسة الدولية.
ما يجعل هذه القضية أكثر إثارة للقلق هو التورط المباشر المحتمل لوزارة الخارجية الصينية في العملية، مما يشير إما إلى خلل في التنسيق الداخلي للحكومة الصينية، أو إلى تغيير استراتيجي في سياستها الخارجية يستحق المزيد من الدراسة والتحليل.
صحيفة «ذا تايمز» البريطانية ذكرت من قبل أن المسيرتين الصينيتين اللتين صادرتهما السلطات الإيطالية قبل وصولهما إلى ليبيا كانتا من طراز «وينج لونغ 2»، وهي إحدى المسيرات الأكثر تطورا، التي تجرى مقارنتها بطائرة «ريبر» الأمريكية.
الصحيفة قالت السبت، إن المسيرتين من طراز وينغ لونغ 2 كانتا في طريقهما إلى مدينة بنغازي، حيث ستصلان إلى خليفة حفتر، لافتة إلى أن الشحنة شملت كذلك محطتي تحكم بالطائرات المسيرة.
يشار إلى أن جريدة «كوتيديانو» الإيطالية كشفت عن عملية مصادرة شرطة الجمارك في ميناء جويا تاورو بمنطقة كالابريا الجنوبية، حين عثرت على ست حاويات تحتوي على أجزاء لتوربينات هوائية، كانت محملة بأجسام وأجنحة طائرات عسكرية دون طيار في طريقها إلى ليبيا.
ولم تكشف السلطات الإيطالية ما إذا كانت الشحنات المصادرة تضمنت ذخيرة للطائرات المسيرة، لكنها أكدت أن الشحنات تنتهك حظر السلاح المفروض من قِبل مجلس الأمن الدولي على ليبيا.
وأشارت الجريدة الإيطالية في بيان إلى أنه عثر على طائرتين بدون طيار مفككتين ومخبأتين بين نسخ طبق الأصل من شفرات توربينات الرياح، وأضافت أنه جرى حجز المواد؛ نظرًا لأن ليبيا تخضع لحظر دولي على الأسلحة.
أما جريدة «ذا تايمز» فقد ذكرت أن السلطات الإيطالية تحركت بناء على معلومات وفرتها المخابرات الأمريكية، مشيرة إلى أنه جرى احتجاز ثلاث حاويات، في الثامن عشر من يونيو الماضي، كانت على متن السفينة «MSC Arina»، بينما رجح المسؤولون وصول ثلاث حاويات أخرى على متن سفينة تحمل اسم «MSC Apolline».
وتزن طائرة «وينغ لونغ 2» صينية الصنع قرابة ثلاثة أطنان، ويصل طولها إلى 32 قدما، بينما يتخطى طول جناحها 65 قدما، وهي بمنزلة منصة أسلحة يمكن التحكم بها عن بُعد، ودائما ما تجرى مقارنتها بالطائرة «ريبر MQ-9» الأمريكية الصنع، رغم اختلاف سرعتها القصوى، والارتفاع الذي يمكن أن تصل إليه.
وسبق أن سجلت الأمم المتحدة في العام 2019 استخدام مسيرات «وينغ لونغ 2» المتطورة من قِبل القوات التابعة لخليفة حفتر خلال هجوم على ضواحي العاصمة طرابلس.
وفي أبريل الماضي، اتهمت السلطات الكندية رجلين من ليبيا بتهمة التآمر لبيع طائرات مسيرة صينية الصنع إلى ليبيا مقابل شحنات من النفط بين عامي 2018 – 2021.