سلط الكاتب الصحفي الموريتاني الشيخ ولد السالك في مقاله على موقع صحيفة “العرب اللندنية” الضوء على التشابه بين ما يحدث في سوريا حاليًا وما حدث في ليبيا بعد أحداث 17 فبراير 2011.
المقال أوضح أنه لا تزال مشاهد عبدالحكيم بلحاج القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة ماثلة أمام الجميع وهو يستقبل بالورود ليلة دخوله العاصمة الليبية طرابلس معلنا سقوط نظام الراحل معمر القذافي، وقد صوره الإعلام آنذاك بأنه الفاتح والمنفذ الأول لإسقاط القذافي، رغم أن الحقيقة غير ذلك.
وأضاف أن ذلك ذكرتني مشاهد دخول أبي محمد الجولاني للعاصمة السورية دمشق بتلك المشاهد وتلك الأيام التي كنت فيها موجودا في بنغازي؛
المقال أكد أن كتيبة ما يسمى بثوار طرابلس التي كان يقودها عبدالحكيم بلحاج -وهي مجموعة من أعضاء تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة، بعضهم انضم إلى القاعدة في أفغانستان- دخلت وسيطرت على جميع الأماكن الحساسة. كما وضعت أيديها على أرشيف نظام معمر القذافي ووثائقه.
في الأيام الأولى خلع عبدالحكيم بلحاج بزته العسكرية واستبدلها ببذلة مدنية، مع جناح كبير في فندق المهاري في العاصمة طرابلس. في الوقت نفسه كان الراحل محمود جبريل يناشد الثوار الليبيين الانتصار على أنفسهم وتسليم السلاح، وذلك ما رفضه الراعي القطري في ذلك الوقت، وحصل ما حصل مما يذكره الجميع، إلى أن وصلت ليبيا إلى ما هي عليه الآن.
الكاتب في مقاله شدد على أنه رغم أن ليبيا استطاعت تشكيل مجلس انتقالي متنوع وحكومة متنوعة، كما أن المجتمع الليبي مجتمع متجانس دينيا وثقافيا، فإن الليبيين لم يستطيعوا الوصول إلى الهدف المنشود بسبب الجماعات المتطرفة وجماعات الإسلام السياسي التي أرادت أن تستفرد بالقرار رغم أنف الجميع.
المقال أشار إلى أن أبي محمد الجولاني -أو من أصبح يسمى “أحمد الشرع”- تصدُّر للمشهد اليوم، واختياره للمسجد الأموي ليطل منه على الشعب السوري، وتكليفه لشخص من حكومته المتطرفة في إدلب بتسيير أمور الدولة في سوريا دون التشاور مع الطيف السياسي الواسع والمتنوع، وظهور علمه مع علم سوريا الثورة، يجعل مؤشر التخوفات من المستقبل يتصاعد عند الجميع.
ولفت أنه لا شك أن التحدي الماثل أمام من يتولى سدة الحكم في سوريا اليوم هو دفع رواتب الشهر الحالي للموظفين، وتحسين الوضع الاقتصادي، والعمل على تنظيم مؤتمر دولي لإعادة الإعمار ورفع العقوبات، وذلك ليتمكن من إعادة اللاجئين إلى بيوتهم المدمرة، كل ذلك لن يتم دون الدعم العربي المالي والسياسي، ولن يتم في ظل الوضع الحالي.
من المؤكد أن العرب لن يتركوا الشعب السوري في هذه الوضعية الصعبة والحرجة، وهنا نفهم الخطوة العربية حيث لم يكن الهدف إنقاذ نظام بشار الأسد، بل كان الهدف تنظيم انتقال سليمي للسلطة يحافظ على كيان الدولة السورية.
ويمنح الشعب السوري المساعدة على أن يعيش حياة كريمة بعد عقود من المعاناة.
والجميع يعلمون أن نظام الأسد وضع يده في أيدي أعداء العرب، بل وتآمر على الكثير من الدول العربية، إلا أن ذلك لم يجعل العرب يستمرون في مقاطعته. وما مد العرب أيديهم إلى نظام بشار الأسد لإنقاذ الشعب السوري، إلا دليل قاطع على أنهم لن يتركوا هذا الشعب.
وأكد المقال أن الجولاني إذا ارتكب أخطاء الأسد بالاستفراد بالقرار وفرض فكر متطرف على الشعب السوري وتمكين تركيا من بسط سيطرتها على الأراضي السورية، فإن ذلك قد يجعل السيناريو الأقرب إلى التطبيق هو مشروع التقسيم الذي لا أستبعد أن يكون هدفا يعزف على وتره الجولاني نفسه، وذلك بالتنازل لتركيا عن المحافظات التي تحدها، وهي حلب والرقة والحسكة، والتنازل لإسرائيل عن السويداء ودرعا والقنيطرة ومنح الساحل لدولة علوية برعاية روسية ومراقبة أميركية، ودير الزور لإقليم كردي برعاية أميركية، بينما يحتفظ الجولاني بدمشق وحمص وحماة وإدلب.
وشدد المقال على أن الجولاني لن يكون باستطاعة التخلي عن فكره المتطرف ولو أظهر غير ذلك، كما أنه لن يكون باستطاعته الوقوف في وجه آلاف المقاتلين المتطرفين الذين ضحوا بأنفسهم مقابل تأسيس دولة الخلافة. من هذا المنطلق، يصبح السيناريو الأفضل الذي يخدم تماسك الدولة السورية وينقذ الشعب السوري من الوضع الاقتصادي المتردي الذي سيزداد ترديا يوما بعد يوم، صعب المنال.
وتشهد ليبيا منذ أحداث 17 فبراير عام 2011 حالة من التناحر السياسي والتكالب على ثروات ليبيا دون النظر إلى أحوال الليبيين الذين يعانون الويلات، حتى أصبحت البلاد مطمعا لكل الدول المجاورة.