المشهد السياسي الليبي يشهد تحولات متسارعة، حيث يتزايد نفوذ رجال الأعمال في صناعة القرار، ومن أبرز هؤلاء، رجل الأعمال محمد طاهر عيسى الذي بات يلعب دوراً محورياً في الصراع على السلطة في البلاد.
وكشف تقرير موقع أفريكا إنتليجنس الاستخباراتي الفرنسي عن طموحات طاهر عيسى السياسية المتزايدة، حيث يسعى إلى تولي دور أكثر فعالية في المشهد السياسي الليبي.
ويعتبر الرجل من أشد منتقدي رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، ويعمل بنشاط لإزاحته عن السلطة وتشكيل حكومة جديدة.
الموقع أكد أن طاهر عيسى بدأ يتدخل بشكل متزايد في الشأن السياسي الليبي، مستغلاً ثروته وشبكات علاقاته الواسعة. فهو يمتلك إمبراطورية تجارية ضخمة تشمل قطاعات متنوعة، مما يمنحه نفوذاً كبيراً في الاقتصاد الليبي.
وأكد التقرير أن لطاهر عيسى علاقات قوية في الدوائر السياسية والتجارية، مما يمكّنه من التأثير على مجريات الأحداث في ليبيا. كما أنه يتمتع بدعم عدد من الميليشيات والقوى السياسية في البلاد.
ويعمل عيسى بنشاط خلف الكواليس لإخراج الدبيبة من منصبه حتى يتسنى تشكيل حكومة جديدة. وقد تسبب الصراع بين الرجلين في انقسامات عميقة بين صناع الرأي في مصراتة، المدينة التي ينتميان إليها.
الصراع بين طاهر عيسى والدبيبة أدى إلى انقسامات عميقة في مدينة مصراتة، مسقط رأسهما، فكلاهما يسعيان إلى تمثيل المدينة في المشهد السياسي الوطني، مما زاد من حدة التنافس بينهما.
التقرير أشار إلى أنه لا يخفي طاهر عيسى طموحاته السياسية، فهو يسعى إلى لعب دور مؤثر في تشكيل المستقبل السياسي لليبيا. وقد بدأ بالفعل في اتخاذ خطوات عملية لتحقيق هذا الهدف، من خلال بناء تحالفات جديدة وتوسيع نفوذه في مختلف المناطق الليبية.
طاهر عيسى هو من أغنى عشرة رجال في ليبيا ويدير إمبراطورتيه التجارية من دبي عبر مجموعة أليتا التي تأسست عام 1993 وتعمل في قطاعات الزراعة والأغذية والنقل والعقارات. وتشمل شركة دروب ليبيا التي لديها وكالة هيونداي في ليبيا وشركة الفلك المشهون للشحن وشركة الجيد للصناعات الغذائية.
التقرير شدد على أنه بالرغم من نفوذه الكبير، إلا أن طاهر عيسى يواجه تحديات كبيرة في طريقه إلى السلطة.
ولفت التقرير إلى أنه يتناقض وضعه كرجل أعمال بشدة مع مظهره، فهو يرتدي بدلات داكنة بسيطة ولا يفقد هدوئه أبدًا، ومع ذلك فهو رجل أعمال نشط للغاية، فهو ينتقل بسرعة من اجتماع إلى آخر ويستضيف ضيوفه بنفس السهولة في مسقط رأسه مصراتة كما هو الحال في فيلته في حي أبو ستة الأنيق في طرابلس أو في دبي.
ويواصل تولي المسؤولية الشخصية عن جميع شؤونه التجارية على الرغم من أنه جلب قبل عام ابنه حسين محمد الطاهر عيسى إلى منصب إداري كبير في مجموعة أليتا.
موقع أفريكا إنتليجنس الاستخباراتي أكد أنه رغم أنه يشن الآن حملة ضد الدبيبة، فإنه يستطيع الاعتماد على دعم ابن عمه محمد خليل عيسى، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية في حكومة الوحدة الوطنية.
ويُظهِر وجود خليل عيسى في الحكومة أن العلاقات بين الدبيبة والطاهر عيسى لم تصل بعد إلى نقطة الانهيار وأن الاثنين ما زالا قادرين على الدخول في حوار مع بعضهما البعض.
وقد أقال زعيم حكومة الوحدة خليل عيسى في نوفمبر 2022 كوسيلة للضغط على عائلته، ومع ذلك، في نوفمبر 2023، اضطر إلى إعادته إلى منصبه لإرضاء ابن عمه القوي.
الموقع شدد على أنه بالإضافة إلى دوره كوزير، يتولى خليل عيسى دوراً عسكرياً، فهو يسيطر على القوات في مصراتة، حيث تولى قيادة إحدى الجماعات المسلحة التي قاومت الهجوم الذي شنه حفتر على المدينة في عام 2019. كما تربطه علاقات وثيقة بزعيم الميليشيا صلاح بادي، وهو مواطن آخر من مصراتة.
وفي دائرة عائلته، يستطيع طاهر عيسى أن يستفيد أيضاً من نفوذ شقيقه عثمان الطاهر عيسى، الذي يرأس ميليشيا حركة 17 فبراير، والذي يسعى إلى حشد المعارضة الشعبية ضد الحكومة. وهو يقف وراء المظاهرات المنتظمة التي يتم تنظيمها للاحتجاج ضد حكومة الدبيبة.
وحتى وقت قريب، كان طاهر عيسى قادرًا على الاستفادة من علاقاته الطيبة مع محافظ مصرف ليبيا المركزي السابق الصديق الكبير، لكن الأخير أُطيح به فجأة في نهاية أغسطس ومع ذلك، خلال فترة عمله كمحافظ، حرص على حصول رجل الأعمال بانتظام على خطابات الاعتماد الضرورية للحصول على العملة الأجنبية لدفع ثمن استيراد السلع الاستهلاكية.
وفي إطار المبارزة المفتوحة على نحو متزايد بين طاهر عيسى ودبيبة، حاول الكبير أيضاً حرمان رئيس الوزراء من الأموال. ورفض البنك المركزي الليبي توفير التمويل المالي الجديد الذي طالب به رئيس الوزراء. وقد حظي هذا الطلب بدعم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عيسى، أحد الرجال الأقوياء في برقة، وبدعم من طاهر عيسى.
وفي محاولته لاستعادة السيطرة على مصرف ليبيا، نجح الدبيبة، بمساعدة رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في إقالة الكبير، ولكن يبدو أن طاهر عيسى لم يخرج خاسراً.
التقرير لفت إلى أنه يُعتقد أن المحافظ المؤقت الجديد، ناجي عيسى، الذي عينته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في الثلاثين من سبتمبر يقف إلى جانبه.
التقرير أشار إلى أن طاهر عيسى، وهو رجل عملي، بنى جسورًا بهدوء مع شرق ليبيا وعائلة حفتر. ويتطلب أي تعامل تجاري جديد في برقة موافقة حفتر.
وحصل طاهر عيسى، الذي أسس شركة Medsky Airways في عام 2022، على الحق في تشغيل شركة الطيران من بنغازي، وكذلك مصراتة وطرابلس. وفي مايو سافر رجل الأعمال إلى تولوز في فرنسا للتفاوض على شراء طائرتين من طراز إيرباص 320 للشركة.
ولكن في قاعدته في مصراتة يمارس قطب الأعمال أكبر قدر من السلطة، على الرغم من معارضة زميله في الوزن الثقيل محمد الرعايد، رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة في ليبيا، الذي يواصل دعم الدبيبة.
ومع كل هذا الدعم، يأمل طاهر عيسى أن يلعب دوراً في المستقبل السياسي الليبي في حالة حدوث تعديل حكومي لتمهيد الطريق للانتخابات الرئاسية والتشريعية، كما تأمل الولايات المتحدة وفرنسا ومصر.