سلط موقع “القدس العربي” الضوء على تفاقم الانتهاكات لحقوق الإنسان وقمع الحريات في ليبيا، بشكل متصاعد، وسط غياب أجهزة ردع ومحاسبة ترفع النقاب عن وجوه المنتهكين وتُحيلهم على القضاء.
التقرير أكد على أن غياب مؤسسات الدولة أدى لتغوُل الجماعات المسلحة، فباتت تفرض قوانينها وتملي إرادتها على المدنيين الذين يبحثون عن الاستقرار والأمان.
التقرير ضرب مثالا على أكبر الميليشيات المسلحة والمتمثلة في جماعة «الكانيات» التي ارتكبت، في العام 2015 جرائم وحشية في مدينة ترهونة، كبرى مدن جنوب شرق طرابلس. وتقع ترهونة على بعد نحو 80 كيلومترا جنوب طرابلس ويبلغ عدد سكانها 40 ألف نسمة.
التقرير اشار إلى أنه ما لم يكن ممكنا في الماضي من تحقيقات وتتبُعات في مثل هذا الملف، أصبح اليوم مقدورا عليه، على الأقل في إطار المؤسسات الأممية ذات الصلة.
التقرير استشهد بقرار المحكمة الجنائية الدولية والتي أصدرت مذكرات توقيف، بحق ستة ليبيين يشتبه في انتمائهم إلى ميليشيا «الكانيات» وهو اسم عائلي مُشتق من اسم أسرة الكاني.
وحسب المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، فإن ثلاثة من المشتبه بهم هم أعضاء بارزون في تلك الميليشيا الإجرامية، التي أعدمت معارضين لها بشكل منهجي، وقتلت عائلاتهم بالكامل.
وأوضح خان أن الثلاثة الآخرين كانوا مرتبطين بـ«الكانيات». ومن بين المشتبه بهم عبد الرحيم الكاني، أحد الإخوة الذين قادوا الميليشيا التي كانت تجوب المدينة في استعراض للقوة، مستخدمة أسدين مُقيدين لبث الرعب في النفوس.
وكشف كريم خان أنه جمع أدلة على أن سكان ترهونة تعرضوا لجرائم حرب، من بينها القتل والتعذيب والعنف الجنسي والاغتصاب.
وأفاد أنه استمع خلال زيارته لترهونة، إلى روايات عن أشخاص احتجزوا في ظروف مروعة وغير إنسانية، كما شاهد مزارع ومواقع كانت مكبات للنفايات فتحولت إلى مقابر جماعية.
وتشكل هذه الأدلة مصدر ضغط قوي على خليفة حفتر، حليف «الكانيات» إذ سيُضطر إلى محاكمة قيادات في قواته، لتفادي تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية.
لكن مراقبين يؤكدون أن الإقدام على تلك الخطوة، من شأنه تفجير أزمة داخل قواته، مثلما حدث عندما اعتُقل محمود الورفلي، أحد المشتبه بارتكابهم جرائم حرب، بضغط من الجنائية الدولية، فخرج أنصار الأخير للاحتجاج، وقاموا بقطع الطرق.
التقرير شدد على أن هذا ما جعل منظمات المجتمع المدني مُندهشة لضعف القرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مع أنه حصل على ما يكفي من الوثائق الدامغة، للاقتناع بأن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بالإضافة لانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان، ارتُكبت وربما ما زالت تُرتكب، على أيدي جميع الأطراف في ليبيا، من دون محاسبة ولا عقاب.
وحسب تقديرات منظمة «هيومن رايتس ووتش» اختُطف ما لا يقل عن 338 شخصا في ترهونة، أو تم الابلاغ عن «فقدانهم» خلال فترة سيطرة «الكانيات» التي استمرت خمس سنوات. وبعد سقوط نظام القائد الشهيد معمر القذافي 2011 برزت مجموعة من الجماعات المسلحة لملء الفراغ الأمني. وفي هذا السياق التاريخي تأسست ميليشيا «الكاني» وسيطرت عام 2015 على مدينة ترهونة. ومن القصص المتداولة بين أهالي المدينة، أن الأسدين اللذين احتفظ بهما الإخوة الكاني كانا يتغذيان من لحوم ضحاياهم.
وظلت الميليشيا، على مدى فترة غير قصيرة، منحازة للمجموعات المسلحة الناشطة في طرابلس. لكن عندما شنّ خليفة حفتر هجوما من الشرق للسيطرة على العاصمة طرابلس، غيرت الميليشيا ولاءها واتخذت من ترهونة قاعدة خلفية لقواتها. وما أن هُزمت قوات حفتر، حتى اختفى الإخوة الكاني، ويُعتقد أن بعضهم قُتل، بينما توارى الآخرون عن الأنظار.
مع ذلك أدرجت الولايات المتحدة، منذ نوفمبر 2020 جماعة الكانيات وزعيمها على القائمة السوداء. وأتى هذا الموقف بعد أن منعت روسيا لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي من فرض عقوبات على هذه الجماعة تتعلق بانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان.
وجاءت العقوبات الأمريكية على الكانيات، في إطار قانون «غلوبال ماغنيتسكي» الذي يسمح للحكومة الأمريكية بملاحقة منتهكي حقوق الإنسان حول العالم، عن طريق تجميد أصولهم وحظر تعامل المواطنين الأمريكيين معهم تجاريا.
ثم أصدرت بريطانيا، من جهتها، قرارا بفرض عدد من العقوبات على أعضاء من عائلة الكاني، لارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع. وكان عبد الرحيم الكاني، المطلوب حاليا للمحكمة الجنائية الدولية، قائدا لـ«الكانيات».
واعتُبر مسؤولا أيضا بشكل مشترك، عن انتهاكات أخرى كشف عنها النقاب أحد عناصر ‘الجناح العسكري» وفق مذكرة الاعتقال، وصدرت أوامر الاعتقال في أبريل 2023 لكن لم يُكشف عنها سوى هذا العام.
مع ذلك شكا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من صعوبة الملاحقة القضائية في ليبيا، ما يُعطل تطبيق القانون الدولي.
ولفت التقرير إلى أن أن القرار لم يأخذ في اعتباره النتائج التي توصلت لها بعثة خاصة من الأمم المتحدة، كانت زارت ليبيا، مُكتفية بحض المفوضية العليا لحقوق الإنسان على تقديم المساعدة الفنية للسلطات الليبية. أكثر من ذلك تزامن إصدار القرار مع انتهاكات طالت مكونات المجتمع المدني المحلي والدولي، ولا سيما المدافعون عن حقوق الإنسان. واستُخدمت عدة أساليب قمعية ضد هؤلاء بما فيها الاعتقالات والعنف والمحاكمات الصورية، التي انتهى بعضها بإصدار احكام ثقيلة بالسجن على النشطاء والمدافعين.
التقرير شدد على أن الأغرب من ذلك أن المجلس الأعلى للقضاء، أصدر فتوى قانونية، استجابة لطلب مقدم من رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة. وترمي الفتوى لشرعنة حل جميع مؤسسات المجتمع المدني، إذا ما خرقت أحكام القانون.
التقرير ركز على أن أخطر الانتهاكات المسجلة في المنطقة الشرقية الاعتداء الذي تعرض له وزير الدفاع الأسبق مهدي البرغثي وأفرادٌ من أسرته وأنصاره، في بيته، بالمنطقة الشرقية، على أيدي صدام خليفة حفتر قائد قوات والده.
وأخذت عناصر تابعة لـ«القوات المسلحة» 36 امرأة و13 طفلًا من عائلة البرغثي رهائن، ووفق منظمة «أمنستي» أُفرج عن هؤلاء بعد اقتياد البرغثي وابنه إلى مكان مجهول، وسط مخاوف من احتمال أن يكونوا قد أُعدموا بعد أسرهم.
ويُعتبر البرغثي من أهم القيادات العسكرية في الشرق الليبي، وقد انشق عن «الجيش» بقيادة حفتر، ليتولى حقيبة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج.
وطلبت منظمة «أمنستي» في بيان، بمناسبة مرور عام على الاختفاء القسري لهؤلاء، الكشف عن مصيرهم. وقد أخفتهم قوات حفتر عن الأنظار، بينما أكدت «أمنستي» أنهم اختُطفوا على أيدي مسلحين موالين لحفتر في مدينة بنغازي.
وذكرت مصادر ليبية أن المشرف على العملية لم يكن سوى صدام حفتر، الذي يُشتبه بأنه هو من قتل البرغثي بعد محاصرة بيته.
وحذرت «أمنستي» من تصعيد أعمال القمع في الفترة الأخيرة، التي استهدفت جماعات الحقوق المدنية، الليبية والأجنبية. وقالت إنها قد تؤدي إلى انهيار غالبية جماعات المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان.
ويختزل ما تعرضت له أخيرا الإعلامية إكرام السعيطي، الملاحقات وسوء المعاملة التي يتعرض لها الإعلاميون والإعلاميات. وألقي القبض عليها في 18 سبتمبر الماضي وتم احتجازها لدى «الأمن الداخلي» الذي يقوده أسامة الدرسي أحد أتباع خليفة حفتر.
ولم تعرف أسرتها ولا زملاؤها أسباب اعتقالها، مع أنها عُرفت بمواقفها الداعمة لحفتر.