قالت صحيفة الشرق الأوسط إن الفوضى الأمنية التي عاشتها ليبيا منذ رحيل النظام السابق تركت بصماتها على ملف حقوق الإنسان ، في ظل شيوع حالة إفلات للجناة من المحاسبة.
الصحيفة أضافت أن منظمات وجمعيات حقوقية ليبية ترصد ارتكاب أفراد أمن وعناصر تشكيلات مسلحة انتهاكات واسعة بحق مواطنين ومهاجرين غير نظاميين، فيما تكشف النيابة العامة الليبية عن اضطلاعها بعديد القضايا الجنائية.
ويرى حقوقيون ليبيون متابعون لملف حقوق الإنسان أنه خلال العقد الماضي تراكمت جرائم كثيرة لم يتم محاسبة مرتكبيها نظرا لانقسام البلاد سياسيا، وعدم وجود سلطة للدولة بالشكل المتعارف عليه.
وأوضحت الصحيفة أنه لا يزال العديد من سكان مدينة ترهونة، الواقعة غرب ليبيا، يطالبون السلطات الأمنية والقضائية بكشف مصير ذويهم الذين اختفوا منذ سنوات دون معاقبة الجناة، متهمين ميليشيا الكانيات بتصفيتهم.
وتقدّر منظمة محلية ودولية من بينها هيومن رايتس ووتش أن ما لا يقل عن 338 شخصاً اختطفوا أو أُبلغ عن فقدانهم خلال فترة سيطرة الكانيات على ترهونة التي استمرت 5 سنوات.
ويرى الباحث الليبي في قضايا حقوق الإنسان، محمود الطوير، أن عمليات الإخفاء القسري المنتشرة في ليبيا قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بموجب ما نص عليه القانون الدولي الإنساني والقانون الليبي.
وسبق للمحكمة الجنائية الدولية أن أصدرت في الرابع من أكتوبر الحالي مذكرات توقيف بحق 6 ليبيين يشتبه في انتمائهم لميليشيا الكانيات التي ارتكبت جرائم وحشية في مدينة ترهونة.
وقال المدعي العام للمحكمة كريم خان إن 3 من المشتبه بهم أعضاء بارزون في ميليشيا الكانيات التي سيطرت لسنوات على ترهونة وروعت سكانها، ولفت إلى أن الثلاثة الآخرين كانوا مرتبطين بالميليشيا ذاتها التي أعدمت معارضين لها بشكل منهجي وقتلت عائلاتهم بالكامل.
ومن بين المشتبه بهم عبد الرحيم الكاني، أحد الإخوة الذين قادوا الميليشيا التي كانت تجوب المدينة في استعراض للقوة، مستخدمة أيضاً أسدين مقيدين لبث الرعب في النفوس.
وقالت الشرق الأوسط إنه فور انتهاء الحرب التي شنها حفتر على طرابلس العاصمة مطلع يونيو 2020، عثر المواطنون في ترهونة على مقابر، ضمت مئات الجثث من مختلف الأعمار، كما أظهرت مقاطع فيديو عمليات الكشف وانتشال عشرات الجثث لأشخاص، بعضهم مكبل اليدين، بينهم أطفال، من مواقع بصحراء ترهونة، وحاوية حديدية، وبئر معطلة بالقرب من ترهونة، الأمر الذي أحدث ردود فعل محلية ودولية واسعة.
وأضافت أن السلطات الحاكمة في ليبيا تنظر إلى الانتقادات الدولية لملف حقوق الإنسان الشائك بحساسية شديدة، وتعدها في كثير من الأحيان تدخلا في شؤون البلاد.
وفي تقريرها الأخير عن حقوق الإنسان في ليبيا، عدّت «رايتس ووتش» أن 2024 عام مضطرب، قمعت فيه السلطتان المتنافستان في الشرق والغرب المنظمات غير الحكومية، كما تمادت الجماعات المسلحة والميليشيات في شرق ليبيا وغربها بارتكاب انتهاكات ضد الليبيين والمهاجرين بلا رادع، وهو التصريح الذي ترفضه السلطتان.
وأوضحت الصحيفة أنه رغم دفاع السلطة الحاكمة في ليبيا بوجود إصلاحات تتعلق بحقوق الإنسان، فإن هذا الملف لا يزال يجتذب انتقادات المنظمات والجهات الدولية، من بين ذلك مطالبة منظمة العفو الدولية للسلطات في شرق ليبيا بضرورة الإفصاح عن مصير ومكان وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي و18 من أقاربه ومؤيديه، قالت إنهم خطفوا على أيدي مسلحين في مدينة بنغازي، وجاء تصريح المنظمة بمناسبة مرور عام على الاختفاء القسري لأولئك الأشخاص.
ولم يتوقف الخطف على مدنيين من ترهونة، لكن تعدى ذلك إلى نواب برلمانيين، من بينهم النائب إبراهيم الدرسي، الذي اقتاده مجهولون من منزله في 17 من مايو الماضي، ومن قبله النائبة سهام سرقيوة التي خُطفت من منزلها أيضا ولم تظهر حتى الآن.
وتقول منظمة رصد الجرائم في ليبيا في تقريرها الشهري عن انتهاكات حقوق الإنسان، إن شهر سبتمبر الماضي، شهد زيادة ملحوظة في انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم في جميع أنحاء ليبيا.
وتقول البعثة الأممية إنها وثّقت حالات احتجاز ما لا يقل عن 60 فرداً بسبب انتمائهم السياسي الفعلي أو المُتصور، لكن يرجح أن يكون العدد الفعلي للأشخاص المحتجزين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية أعلى بكثير.