في تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بمناسبة مرور عام على حادثة الاختفاء القسري في بنغازي، طالبت المنظمة مليشيات المواطن الأمريكي حفتر بالإفصاح عن مصير ومكان وزير الدفاع الأسبق المهدي البرغثي و18 من أقاربه ومؤيديه اختُطفوا على أيدي مسلحين في مدينة بنغازي.

عام على الاختفاء القسري

تقرير المنظمة جاء بمناسبة مرور عام على الاختفاء القسري لأولئك الأشخاص.

وقال بسام القنطار، الباحث المعني بالشأن الليبي في منظمة العفو الدولية: “على مدى عام، تعيش عائلات المهدي البرغثي وأقاربه ومؤيديه في حزن وقلق، لأنها لا تعرف إن كان أحباؤها قد ماتوا أم ما زالوا على قيد الحياة”.

وأضاف أن هذه القضية تكشف عن “المدى الصادم” الذي يمكن أن تذهب إليه مليشيات حفتر في سعيها للقضاء على معارضيها.

بسام أضاف أنه تبيِّن المظالم التي تواجهها هذه العائلات المدى الصادم الذي يمكن أن تذهب إليه مليشيات حفتر في سعيها للقضاء على كل من يمثِّل تحديًا فعليًا أو مُتصورًا لسيطرتها المطلقة على السلطة، كما تكشف ما تتمتع به الجماعات المسلحة التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية من إفلات شبه كامل من العقاب.

مليشات حفتر

وطالب حكومة الوحدة التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها، وكذلك مليشات حفتر باعتبارها سلطة الأمر الواقع في شرق ليبيا، أن تضمن إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة وفعَّالة في الجرائم المرتكبة، بما في ذلك الإفصاح عن مصير ومكان المختفين قسرًا، بالإضافة إلى أسباب وملابسات الوفيات في الحجز.

وكان المهدي البرغثي، وهو منافس لخليفة حفتر قد عاد إلى مسقط رأسه بنغازي، يوم 6 أكتوبر 2023، إثر جهود للمصالحة من جانب بعض القبائل.

وبعد عودته، داهمت جماعات مسلحة تابعة لحفتر منزل والدته في حي السلماني.

اشتباكات مسلحة بين جماعات مسلحة لمليشات حفتر

وأعقب ذلك اندلاع اشتباكات مسلحة بين جماعات مسلحة لمليشات حفتر، من بينها لواء طارق بن زياد وجهاز الأمن الداخلي من جهة، ومقاتلين موالين للمهدي البرغثي من جهة أخرى، مما أسفر عن مقتل 15 شخصًا على الأقل وإصابة آخرين، في ظل مليشات حفتر لشبكة الإنترنت.

التقرير أكد أنه على مدى عام، تعيش عائلات المهدي البرغثي وأقاربه ومؤيديه في حزن وقلق، لأنها لا تعرف إن كان أحباؤها قد ماتوا أم ما زالوا على قيد الحياة.

وفي 7 أكتوبر أخذت مليشات حفتر36 امرأة و13 طفلًا من عائلة البرغثي كرهائن.

وقد أُفرج عن هؤلاء بعد اقتياد المهدي البرغثي وابنه، بالإضافة إلى 38 من أفراد عائلته وأنصاره، إلى حجز المليشيات. ولا يزال في طي المجهول مصير ومكان 19 على الأقل من هؤلاء، وسط مخاوف من احتمال أن يكونوا قد أُعدموا بعد أسرهم.

وتأكدت وفاة ستة أشخاص آخرين؛ وتُوفي اثنان منهم على الأقل في ملابسات مريبة بعد أسرهم أحياءً.

ويُعتقد أن الباقين، وعددهم 15 شخصًا، ما زالوا مُحتجزين في مراكز احتجاز تابعة لمليشيات حفتر.

مقابلات مع عائلات المحتجزين

وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع عائلات ثمانية من المُحتجزين، بمن فيهم أهالي الرجلين اللذيْن تُوفيا في الحجز، وكذلك مع محامين ونشطاء سياسيين.

وراجعت المنظمة تقارير طبية وتقارير للطب الشرعي، وصورًا، ومقاطع فيديو، ووثائق رسمية.

كان المهدي البرغثي يشغل سابقًا منصب وزير الدفاع في حكومة الوفاق السابقة، التي اتخذت من طرابلس مقرًا لها، وهي منافسة لمليشيات حفتر و”الحكومة الليبية” الموالية لها ومقرها في شرق ليبيا.

عائلة البرغثي تروى الواقعة

وروت عائلة البرغثي أنه بمجرد عودته، داهمت قوات موالية لحفتر مدججة بالسلاح منزلها، واشتبكت مع مقاتلين موالين لعائلة البرغثي، بمن فيهم مقاتلون من الجماعة المسلحة المعروفة باسم الكتيبة 204.

وعقب الاشتباكات، ادعى مسؤولون من الحكومة الموازية أنهم أحبطوا هجومًا إرهابيًا، وأعلنوا عن مقتل تسعة أشخاص من الموالين للمهدي البرغثي وإصابة ثمانية آخرين خلال محاولتهم مقاومة القبض عليهم.

وقدم بعض أقارب الضحايا لمنظمة العفو الدولية قائمة بأسماء 40 شخصًا باتوا في عداد المفقودين في أعقاب القتال.

ووفقًا لأدلة جمعتها منظمة العفو الدولية، تأكد أن مليشيات حفتر احتجزت 15 من هؤلاء الأشخاص.

كما تأكدت وفاة ستة منهم، بينما لا يزال مصير ومكان 19 شخصًا طي المجهول.

ففي 13 أكتوبر نشر جهاز الأمن الداخلي صورًا لهؤلاء الرجال الخمسة عشر وهم يرتدون زي السجن الأزرق.

وأُذيعت “اعترافات” بالإكراه لأربعة من هؤلاء يقولون فيها إنهم خطَّطوا لهجمات إرهابية، في منصات إعلامية موالية لحفتر، مما يُعد انتهاكًا لحقوقهم.

ولم تُوجه اتهامات إلى هؤلاء ولم تجرِ محاكمتهم، وحرموا من الاتصال المنتظم بعائلاتهم ومحاميهم.

وفقًا لما قالته روان البرغثي، ابنة المهدي البرغثي، لم تتسلم العائلة جثة والدها ولا تزال تعتبره مختفيًا قسرًا، وتطالب حفتر بالكشف عن الموقع الذي دُفن فيه، وبالتعرف على جثته من خلال اختبار الحمض النووي.

وبموجب القانون الدولي، يُعتبر الاختفاء القسري جريمةً مستمرة إلى أن يتم الكشف عن مصير الضحية ومكانها، أو عن رُفاتها.

وأظهر مقطع فيديو مُسرب لجهاز الأمن الداخلي، تم تداوله يوم 10 أكتوبر صورًا للمهدي البرغثي بدا فيها مُصابًا وهو يسير ويتحدث عند القبض عليه في 7 أكتوبر.

تُوفي من جراء إصابته بطلق ناري

وفي 13 أكتوبر أعلن المدعي العام العسكري في شرق ليبيا فرج الصوصاع أن المهدي تعرّض لإصابات جسيمة أثناء القبض عليه.

وأشار تقرير أولي للطب الشرعي، اطلعت عليه منظمة العفو الدولية، إلى أنه تُوفي من جراء إصابته بطلق ناري.

وفقًا لمقابلات أجرتها منظمة العفو الدولية مع بعض أفراد العائلة، ولتقارير الطب الشرعي وشهادات الوفاة وتصاريح الدفن التي اطلعت عليها المنظمة، قُتل ودُفن ستة على الأقل من بين 40 مفقودًا عقب الاشتباكات، من بينهم إبراهيم، ابن المهدي البرغثي، واثنان من أفراد الكتيبة 204، واثنان من أقارب البرغثي، وتاجر أغنام.

وسُلمت جثث أولئك الستة جميعهم إلى عائلاتهم، ولكن معظم العائلات أُجبرت على دفن ذويها دون أن تُقدم لها تقارير مفصلة من الطب الشرعي توضح سبب الوفاة. ومن بين الجُثث التي أُعيدت جثة إبراهيم، ابن المهدي البرغثي. ووفقًا لتقرير للطب الشرعي، بتاريخ 21 أكتوبرتُوفي إبراهيم نتيجة إصابته بطلق ناري. وقد أُعيدت جثته إلى أحد أفراد العائلة في اليوم التالي. وتسلمت معظم العائلات جثث ذويها ملفوفة بأكفان لا يظهر منها سوى الوجه، وقد بدت عليها آثار التعذيب.

وتشير نتائج توصَّلت إليها منظمة العفو الدولية، بناءً على مصادر وشهادات متوافقة، إلى أن اثنين على الأقل من الستة المتوفين هما مدنيان تم أسرهما أحياءً خلال المداهمة أو في الأيام التي تلتها، ويُعتقد أنهما أُعدما خارج نطاق القضاء.

وفاة محتجزين ومختفين قسريا

وكان أحدهما، ويُدعى معتز البرغثي، قد أُصيب بجروح طفيفة في ساقه عند القبض عليه.

ومع ذلك، يشير التقرير الأولي للطب الشرعي أن وفاته نجمت عن إصابتين بطلقات نارية في الرئة والرأس.

أما الثاني، ويُدعى أحمد بوفنارة، وهو تاجر أغنام، فقد قُبض عليه بعد أيام من المداهمة. وأظهرت صورة لجثته وجود كدمات تدعي عائلته أنها تعود إلى تعرضه للتعذيب، كما اقتُلعت عيناه. وظهرت بوضوح قُطَبٌ حول رأسه والنصف العلوي من جسمه.

كان المهدي البرغثي من كبار الضباط السابقين في القوات المسلحة العربية الليبية، وعُيِّن وزيرًا للدفاع في حكومة الوفاق الوطني الليبية في عام 2016، وظل في منصبه حتى يوليو 2018. وقد جاهر بانتقاده للهجوم الذي شنَّته مليشيات حفتر على طرابلس بين عامي 2019 و2020.

تسيطر مليشيات حفتر بنغازي، على ثاني أكبر مدينة في ليبيا، وعلى مساحات واسعة من شرق ليبيا وجنوبها، وتؤدي مهامًا شبيهة بمهام الحكومة.

Shares: