أشارت تحركات إيطاليا في الآونة الأخيرة إلى رغبة روما في تعزيز نفوذها الاقتصادي والعسكري في ليبيا التي تشهد منذ عام 2023 عودة قوية للدبلوماسية الإيطالية، متجسدة بشكل خاص في الزيارات المكثفة لمسؤولين إيطاليين رفيعي المستوى إلى البلاد، وذلك في إطار صراع دولي على النفوذ في ليبيا، خاصة مع تنامي الوجود الروسي في البلاد أضف إلى ذلك مساعي إيطاليا لتعويض صادرات النفط الروسي نحو أوروبا، وزيادة نفوذها في البلاد، خصوصًا وأنها لا ترغب في ترك هذا القطاع الحيوي تحت رحمة فرنسا وأمريكا، وهذا ما يفسر التنافس الكبير في هذا البلد الغني بالنفط.

بالتالي فإن لهذه التحركات دوافع رئيسية تهدف إلى تحقيق مصالح إيطاليا الاقتصادية خاصة النفطية والغازية، بدلاً من السعي الجاد لإيجاد حل سياسي يحقق الاستقرار في البلاد وهذا يشكل أحد العوامل الرئيسية التي تؤجج الصراع بين الأطراف المحلية، والأطراف الدولية الراغبة في الحفاظ على مصالحها، حيث أفادت بعض المواقع الإخبارية العربية، إلى أن إيطاليا تسعى لفرض سيطرتها على مقدرات الشعب الليبي من النفط والغاز باستخدام القوة الناعمة، عبر عملية الفيلق الأوروبي ـ الليبي، والتي تتمثل في وجود قوات غربية في ليبيا بزعم حماية الحقول النفطية والمصالح ومحاربة الإرهاب والعمل على بسط السيطرة، ولكن في حقيقة الأمر هي عملية تمهيدية لبقاء دائم عبر آليات قد تقر خلال الفترة المقبلة

والذاكرة الليبية الجمعية لازالت حاضرة بما عاناه الشعب الليبي من الاستعمار الإيطالي لليبيا (1911-1943) والتي تعد عامل مؤثر في العلاقات الراهنة، حيث إن تلك الفترة تركت إرثا من المشاعر المعقدة بين الشعبين الليبي والإيطالي، مما يلقي بظلاله على الوجود الحالي، ناهيك عن أن تمويل الفيلق الأوروبي تم باستخدام الأموال الليبية المجمدة في الخارج، وهذا ما يعكس سياسة مشابهة لتلك التي تستخدمها واشنطن لدعم أوكرانيا.

كما سبق وأن كشف الخبير في الشأن السياسي علي حازم إلى أن إيطاليا تسعى لزيادة أعداد قوات الفيلق الأوروبي في ليبيا، مؤكدا أن مساعي روما الأخيرة تتعلق بحماية المنشآت النفطية الليبية التي تخضع لنفوذها، من هجمات الجماعات المتمردة، إضافة إلى قمع أي مظاهرات قد تندلع من قبل العمال والمواطنين المطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية، مشدّداً على أن التواجد الأجنبي وخاصة الفيلق الأوروبي، من شانه أن يفاقم الأزمة في ليبيا ويغرق البلاد في حرب أهلية جديدة.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن ليبيا تتربع على نحو 48.8 مليار برميل من الاحتياطيات النفطية أي نحو 2.8 بالمئة من إجمالي الاحتياطيات العالمية مما يجعل منها صاحبة أكبر احتياطي نفطي في القارة السمراء، وعلى مستوى الغاز الطبيعي تصل الاحتياطيات الليبية منه إلى 1.4 تريليون متر مكعب من الغاز محتلة بذلك المرتبة الخامسة بين الدول الإفريقية من حيث هذه الاحتياطيات، إضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي الليبية التي لم يتم كشفها بعد، مما يزيد من أطماع الدول الغربية وتحديدًا إيطاليا للتدخل بشكل أعمق وتوسيع النفوذ في هذه البلد الغنية بالثروات.

وعلى صعيد آخر، وفيما يتجه الوضع في ليبيا نحو أزمة عميقة نتيجة النزاع المستمر حول السيطرة على المصرف المركزي وتغيير محافظه الذي أدى إلى شلل في الاقتصاد وتفاقم معاناة المواطنين، تزداد حدة الصراع بين معسكر الغرب الليبي المتمثل بحكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، ومعسكر الشرق الليبي المتمثل بالجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وكانت قد نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرًا تناول الأزمة الأخيرة بخصوص المصرف المركزي وانعكاساتها على الوضع في البلد، وأكدت بأن زيادة حدة الأزمة بين المعسكرين الليبيين قد يؤدي إلى اندلاع حرب بينهم، وذكرت في تقريرها بأن المشير خليفة حفتر أبلغ دبلوماسيين غربيين الشهر الماضي عن خطته لشن محاولة أخرى للاستيلاء على طرابلس، وهذا ما يعيد للإذهان احتمالية تجدد المعارك الكبيرة الدامية كتلك التي شهدتها العاصمة اللليبية طرابلس.

وعلى ما يبدو فأن رئيس حكومة الوحدة ووزير دفاعها، عبد الحميد الدبيبة، على استعداد تام لبيع تراب ليبيا من أجل البقاء في السلطة وعلى استعداد لتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية مع جميع الدول فقط من أجل كرسي الحكم، فقد سبق وبدأ الدبيبة في هذا المشروع عندما جاء بقوات “أمينتوم” الأمريكية إلى قاعدة الوطية، واليوم يأتي بقوات إيطالية تابعة للفيلق الأوروبي إلى قاعدة مصراتة، وربما سنرى غداً القوات الفرنسية والبريطانية في القاعدة نفسها، في ترجمة حرفية إلى أن الكل يبحث عن مصالحه دون مراعاة لمعاناة الشعب الليبي المستمرة منذ أكثر من عقد، فبدلاً من أن يتم تسخير أموال الشعب الليبي المجمدة في بنوك الغرب وفك ضائقة أبناء الليبيين، يتم استخدامها لبناء فيلق أوروبي سيدمر البلاد ويُعيد الفوضى لها كما فعل حلف الناتو من قبل، ولا شك بأنه أمر مرفوض لدى الشعب الليبي جملةً وتفصيلاً.

في المحصلة يبدو أن التواجد العسكري الغربي في العاصمة طرابلس عن طريق الفيلق الأوروبي سيُعيد البلاد إلى مربع الصفر، كما من شأنه أن يشعل فتيل حرب جديدة بين شرق وغرب ليبيا، الأمر الذي تسعى لتنفيذه دول الغرب المستفيدة من حالة الفوضى والإنقسام في ليبيا والمنطقة ككل.

Shares: