قالت منظمة العفو الدولية إن الإفلات المستحكم من العقاب على الوفيات في الحجز وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ترتكبها مليشيات حفتر، قد مكّن جهاز الأمن الداخلي من تكثيف حملته القمعية ضد المنتقدين والمعارضين السياسيين في الأشهر الأخيرة.
وأضافت المنظمة أنه منذ يناير الماضي، اعتقلت عناصر جهاز الأمن الداخلي المدججين بالسلاح عشرات الأشخاص، بمن فيهم نساء ورجال في العقد السابع من العمر، من منازلهم أو أحيائهم أو أماكن عامة أخرى في شرق وجنوب ليبيا الخاضعيْن لسيطرة قوات حفتر دون أمر اعتقال.
وأوضحت أنه تم نقل المعتقلين إلى مرافق يسيطر عليها جهاز الأمن الداخلي، حيث ظلوا محتجزين تعسفيًا لعدة أشهر دون السماح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو محاميهم، وتعرّض بعضهم للاختفاء القسري لفترات تصل إلى 10 أشهر، ولم يمثُل أي منهم أمام المحاكم المدنية، أو يُسمح لهم بالطعن في قانونية احتجازهم، أو وُجّهت إليهم تهم رسمية بارتكاب أية جرائم.
وأشارت إلى أنه في أبريل ويوليو، الماضيين توفي شخصان في الحجز في ظروف مريبة، بينما كانا في مركزيْ احتجاز يسيطر عليهما جهاز الأمن الداخلي في بنغازي وأجدابيا، ولم تُجرَ أي تحقيقات جنائية مستقلة ونزيهة في سبب وفاتهما، ولم يُحاسب أحد.
وقال بسام القنطار، الباحث المعني بالشأن الليبي في منظمة العفو الدولية إنَّ الارتفاع الحاد في الاعتقالات التعسفية والوفيات في الحجز في الأشهر الأخيرة يُبرز كيف مكّنت ثقافة الإفلات من العقاب السائدة الجماعات المسلحة من انتهاك حق المعتقلين في الحياة دون خوف من أي عواقب، وتُضاف هذه الوفيات في الحجز إلى قائمة الفظائع التي يرتكبها جهاز الأمن الداخلي ضد أولئك الذين يجرؤون على التعبير عن آراء تنتقد القوات المسلحة العربية الليبية.
وأضاف القنطار أنه يجب على حكومة الدبيبة وقوات حفتر باعتبارها سلطة الأمر الواقع في شرق وجنوب ليبيا، ضمان الإفراج الفوري عن جميع المحتجزين تعسفيًا لمجرد ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.
وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع أحد المعتقلين السابقين، وعائلات سبعة من المعتقلين، بمن فيهم ذوو الرجلين اللذيْن توفيا في الحجز، فضلًا عن محامين ومدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين.
وقالت المنظمة إنه في 13 يوليو 2024، توفي أحمد عبد المنعم الزوي، 44 عامًا، أثناء احتجازه في مركز احتجاز تابع لجهاز الأمن الداخلي في أجدابيا شمال شرق ليبيا بعد القبض عليه تعسفيًا في 10 يوليو أثناء زيارته لمركز الاحتجاز لرؤية شقيقه عبد ربه عبد المنعم الزوي، الذي كان قد اعتقل بسبب انتقاده لجهاز الأمن الداخلي، ووفقًا لمصادر مطلعة، ادعى جهاز الأمن الداخلي أن أحمد عبد المنعم الزوي شنق نفسه، لكن الشهود أفادوا بأنهم رأوا كدمة على مؤخرة رأسه يبدو أنها ناتجة عن تلقي ضربة قوية.
وظهر الشيخ السنوسي الحليق الزوي، نائب رئيس المجلس الأعلى لأعيان وقبائل ليبيا وشيخ قبيلة الضحية، في فيديو في 16 يوليو وهو يقول متحسرًا: “دخل ابننا أحمد على قدميه وأعيد إلينا جثة هامدة”.
وبعد أقل من 24 ساعة، ظهر في فيديو آخر يشيد فيه بجهاز الأمن الداخلي، ويشير إلى أنه تم تشكيل لجنة للتحقيق في وفاة أحمد عبد المنعم الزوي، وتشتبه المنظمة في أن الشيخ السنوسي الحليق الزوي قد تعرّض لضغوط لتبرئة جهاز الأمن الداخلي علنًا، وهو ما يتسق مع نمط موثق سابقًا من تهديد جهاز الأمن الداخلي للناجين وعائلات الضحايا إذا تجرأوا على التحدث ضد عناصره.
ووفقًا لمصادر مطلعة، أغلق أحد وكلاء النيابة في بنغازي القضية دون أي تحقيقات، وأغفل تقرير الطب الشرعي أي ذكر لإصابات في الرأس.
كما توفي سراج دغمان، المحلل السياسي الليبي، أثناء احتجازه لدى جهاز الأمن الداخلي في 19 أبريل 2024، ولم تستجب قوات حفتر أبدًا لدعوات أعضاء المجتمع الدولي والمجتمع المدني الليبي لفتح تحقيق في ظروف وفاته، وادعى جهاز الأمن الداخلي في 20 أبريل أن سراج دغمان سقط أثناء محاولة هروب، ولم يسمحوا للأسرة برؤية جثمانه، ولم يتم مشاركة تقرير تشريح الجثة، وعلمت منظمة العفو الدولية أن شهادة وفاته تشير إلى أن سبب الوفاة كان السقوط من مكان مرتفع.
وفي 1 أكتوبر 2023، اعتقل جهاز الأمن الداخلي سراج دغمان مع فتحي البعجة، رئيس المكتب السياسي لحزب ليبيا للجميع والعضو السابق في المجلس الانتقالي لعام 2011، إضافة إلى ناشط سياسي آخر، متهمًا إياهم بالتخطيط للإطاحة بقوات حفتر، وجرت هذه الاعتقالات بعد أن عقد مركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية برئاسة سراج دغمان اجتماعًا داخليًا لمناقشة الانهيار الكارثي لسد درنة.
وفي وقت لاحق من ذات الشهر، اعتقل جهاز الأمن الداخلي ناشطين سياسيين اثنين بزعم أنهما ينتميان إلى نفس المجموعة التي ينتمي إليها سراج دغمان، وأنهما كانا يخططان للإطاحة بقوات حفتر، وأُفرج عن الناجين الأربعة في 25 أغسطس، بعد أكثر من 10 أشهر من الاحتجاز التعسفي دون تهمة أو محاكمة.
واعتقل جهاز الأمن الداخلي الناشطة والمدونة المحتجزة تعسفيًا مريم منصور الورفلي، المعروفة باسم نخلة فزان، في 13 يناير 2024 في سبها، وجاء اعتقالها بعد وقت قصير من توجيهها انتقادات على فيسبوك لإشراف قوات حفتر على توزيع غاز الطهي في جنوب ليبيا.
كما اعتقل عناصر جهاز الأمن الداخلي تعسفيًا الشيخ علي مصباح أبو سبيحة، 77 عامًا، رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن فزان وشخصية سياسية ناقدة لقوات حفتر، في 19 أبريل في سبها، ومنعوه من الاتصال بعائلته أو محاميه، وأبلغ منظمة العفو الدولية أنه لا يزال يتلقى الرعاية الطبية بعد إطلاق سراحه في 20 يونيو، وأنه فرّ من منزله بعد ثلاثة أيام من إطلاق سراحه بسبب تهديدات من قوات حفتر.
وذكرت منظمة العفو أن جماعات متحالفة مع قوات حفتر أخضعت الشيخ الصوفي مفتاح الأمين البيجو، البالغ من العمر 78 عامًا، للاختفاء القسري منذ 4 فبراير بعد أن اعتقله نحو 20 رجلًا مسلحًا من منزله في بنغازي.
ويعمل جهاز الأمن الداخلي تحت سلطة الأمر الواقع التي تمارسها قوات حفتر بقيادة أسامة الدرسي، وارتكب انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان لإسكات المنتقدين والمعارضين.
وتخصص الميزانية البالغة 179 مليار دينار(36.8 مليار دولار) التي أقرّها البرلمان لحكومته المتمركزة في الشرق، والمتحالفة مع قوات حفتر، أموالًا للجماعات المسلحة التي لها تاريخ من الانتهاكات، بما في ذلك جهاز الأمن الداخلي.
ويعمل في غرب ليبيا جهاز منفصل يحمل أيضًا اسم “جهاز الأمن الداخلي”، بقيادة لطفي الحراري ويخضع اسميًا لرئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها.