كشف تقرير لصحيفة “اندبندنت عربية” عن قصة مؤلمة لآلاف العمال السوريين الذين تم تجنيدهم للعمل في مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، وخاصة في مناطق سيطرة قوات المواطن الأمريكي خليفة حفتر. رغم وعود بتوفير رواتب مجزية وشروط عمل جيدة، إلا أن الواقع كان مختلفاً تماماً.
ظروف عمل قاسية، وأجور متدنية وعنف وتهديدات
التقرير أكد على تعرض هؤلاء العمال لاستغلال شديد، حيث واجهوا ظروف عمل قاسية، وأجور متدنية، وسكناً غير لائق، وتأخيرات في دفع الرواتب. كما تعرض بعضهم لعنف وتهديدات، وتحويلهم إلى عمالة رخيصة.
تتعمق الأزمة مع وجود أدلة على أن بعض الشركات المتعاقدة مع حفتر تقوم باستغلال حاجة السوريين للعمل، وتقديم وعود كاذبة لجذبهم.
وتشير تقارير إلى أن بعض العمال تم نقلهم إلى ليبيا تحت تهديد السلاح أو الاحتيال.
التقرير نشر بعض القصص المأساوية ومن بينها قصة ماهر: الأمل الضائع.
تسفير ألفي مهندس وعامل إلى ليبيا
اعتباراً من أبريل الماضي جرى تسفير ألفي مهندس وعامل عبر تلك الشركة إلى ليبيا، وبالتحديد إلى موقع بناء يتبع شركة إعمار ليبية في منطقة برقة قرب مدينة بنغازي ليجدوا أنفسهم في بيئة عمل قاسية وقاهرة، بحسب تعبير أحد العاملين هناك.
ماهر وهو اسم مستعار تحدثت أسرته في ريف دمشق عن أن “الشركة ملأت مواقع التواصل الاجتماعي بالإعلانات، وبدا الأمر حقيقياً لأنهم سيدفعون أجور الطبابة والتأمين وتذاكر الطيران ويتولون الإقامة وسيمنحوننا أجوراً تعادل 600 دولار شهرياً، وهو رقم مهول في سوريا، وطالما أن كل شيء مؤمن فسأتمكن من توفير المبلغ وإرساله لأهلي ليعيشوا بكرامة، ولكن فوجئنا أن الحقيقة غير ذلك تماماً”.
كان يأمل أن يتمكن من إرسال الأموال لعائلته لتعيش حياة كريمة. إلا أن الواقع كان قاسياً، فوجد نفسه يعمل في ظروف صعبة للغاية، وتعرض لخديعة من قبل الشركة التي وعدته برواتب عالية وشروط عمل جيدة. تحولت أحلامه إلى كابوس، ووجد نفسه عالقاً في ليبيا ويعاني من الصعوبات المعيشية.
قصص مأساوية
والد ماهر، وهو رجل بسيط يعيش في ريف دمشق، كان يأمل أن يحقق ابنه طموحات، إلا أنه شعر بصدمة كبيرة عندما علم بمعاناة ابنه في ليبيا.
بعض العمال السوريين الذين تم نقلهم إلى ليبيا قرروا الهروب إلى أوروبا بحثًا عن حياة أفضل، فقاموا بخوض رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط، وتعرضوا لمخاطر كبيرة، قصص هؤلاء العمال تسلط الضوء على اليأس الذي دفعهم إلى اتخاذ مثل هذه القرارات المتطرفة.
التقرير أكد أن بعض العمال قام بتنظيم تظاهرات للمطالبة بحقوقهم، إلا أنهم تعرضوا للعنف والقمع من قبل مليشيات حفتر، وتم التنكيل بهم.
اعتباراً من أبريل الماضي جرى تسفير ألفي مهندس وعامل عبر تلك الشركة إلى ليبيا، وبالتحديد إلى موقع بناء يتبع شركة إعمار ليبية في منطقة برقة قرب مدينة بنغازي ليجدوا أنفسهم في بيئة عمل قاسية وقاهرة، بحسب تعبير أحد العاملين هناك.
المحامي عابد خولي قال في تصريح خاص إن معطيات الواقعة تشير إلى مسألة تتعلق بـ”الاتجار بالبشر” وهو جرم دولي مشدد في سوريا وخارجها، ويجب أن يكون هناك تدخل مباشر من الجانب السوري أو الأممي عبر توسعة القضية لا سيما أن الحديث هنا يشتمل على آلاف العاملين.
الاتجار بالبشر
وأكد خولي أن مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نوه إلى الحالات التي تصنف ضمن “الاتجار بالبشر”، قائلاً “الاتجار هو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة استعمال القوة أو القسر أو الاحتيال أو أشكال الخداع الأخرى، لغرض الاستغلال”.
وتابع، “هنا يجب التوقف ملياً أمام عبارة (الاحتيال)، وفي الوقت ذاته لا يجب الاكتفاء بالاستماع لطرف واحد حتى وإن كان أطرافه كثراً، فالبينة على من ادعى والتفوق القانوني في استرداد الحقوق لمن يمتلك المدفوعات القانونية المثبتة والمسندة إلى معطيات ووثائق وعقود لا تقبل الطعن في صحتها، وهذا ما يعطي كلا الطرفين الفرصة لإثبات أحقية ما يقوله”.
أما شركة التسفير في دمشق، وعلى رغم أنها تضع أرقاماً عدة لمختلف الأقسام، إلا أن القسم الوحيد الذي أجاب هو الموارد البشرية، وحين علمه بأن موضوع التواصل لهدف صحافي أغلق أي وسيلة للتواصل، قبل التمكن من الوصول إلى محمد أبو خزام وهو مندوب الشركة الجديد في ليبيا، والذي أجاب باقتضاب شديد عبر رقمه الليبي، “كل الكلام الذي يقال غير صحيح، وعار من الصحة”، محولاً إيانا للتواصل مع سيدة ليبية الجنسية تدعى مايا، وهي المدير التجاري والمسؤولة عن العمالة في ليبيا.
حاولت مايا الاستفاضة وإيضاح كل نقطة جدلية تتعلق بالملف ولكنها في نهاية المطاف فضلت نقل استبيان التفاصيل بدقة أكبر إلى المهندس أسامة الحسين والمسؤول عن الملف الليبي في الشركة لدى دمشق والذي بادر بالشرح من جديد حول كل ما أثير ويثار عن قضية العاملين أولئك من وجهة نظر الشركة، ومن قدرة الشركة على الاطلاع الحثيث حول مجريات كل ما يحصل في شؤون العاملين.
لم تطلب الشركة وجودهم
المهندس جاء على جزئيات مهمة بشكل غير مباشر أحياناً أهمها تعلق العاملين بالهجرة أكثر من نوع وشروط الهجرة نفسها، وهو ما يعلله القبول بأي عمل متاح ومعلن عنه من قبل الشركة، مورداً مثالاً عن “نقاشين” لم تطلب الشركة وجودهم، فوافقوا على العمل بالبناء ريثما تتاح شواغر في مواضع مهنتهم.
وحول التغير في الرواتب يقول “هناك في مقدمة العقد ما يوضح أنه بعد فترة تجريبية مدتها ثلاثة أشهر يحق للطرف الليبي التصرف أمام العامل السوري مدعي الخبرة في مهنته، ثم تبين أنه لا يملك خبرات، فيحق للطرف الليبي إما تغيير المهلة الزمنية أو إنقاص الراتب أو زيادته، وهناك فئة كبيرة تريد الخروج بأي طريقة والعمل بأي عمل تجيده موقتاً ريثما ينتقلون لأعمالهم الأساسية، ونخبره مسبقاً أن الرواتب تختلف، وحين يرى أن أقرانه رواتبهم أعلى يبدأ بافتعال المشكلات، وقد خضعنا لكثير من عمليات كذب من العمال حول خبراتهم، وحينها تلقائياً يتم خفض الراتب بناءً على قرار مدير المشروع أو الموقع”.
وحول التظاهرات والمشكلات، قال “هناك ألفا سوري، وجنسيات أخرى أيضاً، ووجبات الطعام جيدة وكافية، ولكن من يفتعل المشكلات ويحرض ويثير القلق هم نحو 35 شخصاً في الموقع، وهناك أشخاص وصلت بهم الأمور لضرب مدير المشروع وأعمارهم لا تتعدى 20 سنة، إضافة لمشكلات حصلت بين جنسيات أخرى وتدخلت بها القوى الأمنية طالبين من السوريين الابتعاد باستثناء أشخاص قلة تورطوا بالمشكلة”.
الهرب إلى أوروبا
وفي الوقت ذاته بيّن المهندس أن عاملين عدة اتخذوا من الشركة وسيلة لإيصالهم إلى ليبيا ومن هناك الهرب إلى أوروبا، لتتنبه الشركة لاحقاً وتعمد إلى تفعيل نظام كفيل السفر في دمشق، وهو أن يقوم أحد الأشخاص بكفالة المسافر لئلا تضيع حقوق الشركة وشرطها الجزائي، وفي السياق نجح فعلاً أشخاص بالهرب والهجرة نحو جهات متعددة، ومن بينهم من تاه في الصحراء، وغرض الهجرة المبيت كان سبباً آخر في إحداث المشكلات.