كشف تقرير حديث لصحيفة العرب اللندنية عن سلسلة من التحولات السياسية والقانونية التي تعيد تشكيل المشهد الليبي.
فقد عاد التوتر إلى البلاد مع إعلان مجلس النواب في 13 أغسطس سحب الثقة من حكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وإعادة صلاحيات القائد الأعلى للجيش إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.
هذه التطورات، التي تبدو ظاهرياً كخلافات قانونية وتشريعية، تخفي في حقيقتها صراعاً سياسياً عميقاً بين أطراف تغيرت بوصلة مصالحها وتحالفاتها.
التقرير أكد أنه منذ مارس 2022، تشهد ليبيا وجود حكومتين متنافستين: حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً في طرابلس، وحكومة أسامة حماد المكلفة من مجلس النواب في بنغازي.
وبرر مجلس النواب قراراته الأخيرة بانتهاء ولاية حكومة الدبيبة، مستنداً إلى تفسيرات قانونية للاتفاقيات السابقة.
في المقابل، ترفض حكومة الدبيبة هذه الخطوات، مؤكدة أنها تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي المضمن في الإعلان الدستوري.
وفي خضم هذا الصراع، برزت قضية صلاحيات القائد الأعلى للجيش كنقطة خلاف رئيسية.
فقد قرر مجلس النواب سحب هذه الصفة من المجلس الرئاسي ومنحها لعقيلة صالح، وهو ما رفضه المجلس الأعلى للدولة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي.
إصدار المنفي قراراً بإنشاء مفوضية مستقلة لإجراء استفتاءات ملزمة، وهو ما اعتبره مجلس النواب تجاوزاً لصلاحياته.
كما قرر المنفي عزل محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً حول صلاحيات المجلس الرئاسي.
ويرى محللون أن هذه التطورات تعكس تحولاً في موازين القوى وتغيراً في التحالفات السياسية.
فقد خسر الدبيبة حلفاء رئيسيين، على رأسهم الصديق الكبير الذي كان يمد حكومته بالأموال، والدعم السياسي الذي كان يوفره مجلس الدولة.
في المقابل، يبدو أن حكومة الشرق بقيادة حماد وحلفائها، خاصة خليفة حفتر ومجلس النواب، في موقف أقوى. فلديهم الآن أموال طائلة من خزينة المصرف المركزي، يستخدمونها في التعاقد على مشاريع ضخمة مع شركات دولية، مما قد يوفر لهم دعماً سياسياً خارجياً.
هذه التحولات تشير إلى أن الصراع في ليبيا لم يعد مجرد خلاف أيديولوجي، بل أصبح صراعاً على المصالح والنفوذ. فالتحالفات تتشكل وتتغير وفقاً للمصالح الاقتصادية والسياسية المتغيرة.
الناشط السياسي الليبي عبدالسلام الطيرة يقول إن كل ذلك يبدو صراعا تشريعيا قانونيا، لكنه في الحقيقة صراع سياسي مرتبط بشكل وثيق ليس بالأيديولوجيات بل بالمصالح .
وأضاف الطيرة أن البرلمان ورئيسه صالح اتخذوا قراراتهم الأخيرة لكون مصلحتهم مع حفتر الذي أمر قواته بالانتقال (من الشرق) إلى مناطق ومدن الجنوب الغربي .
وتابع أن مجلس الدولة عارض هذا الإجراء، وطالب المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش، بالتدخل .
وتابع هذه المطالبة هي ما دعت النواب إلى سحب صفة القائد الأعلى من الرئاسي ومنحها لصالح؛ لتوفير غطاء قانوني لعمليات قوات الشرق في الجنوب الغربي.
وأما عن المنفي، فقال الطيرة إن محاولاته لعزل الكبير تأتي بطلب من الدبيبة، بعد أن وقع خلاف بين الدبيبة والكبير منذ نحو شهرين .
وحتى هذا الأمر الذي يبدو تشريعيا متعلقا بصلاحيات المنفي حيال المناصب السيادية هو أيضا وفق الطيرة في جوهره سياسي وسببه تغير بوصلة المصالح .
وأوضح أن الخلاف بين الدبيبة والكبير دعا الأخير إلى التحالف مع مجلس النواب وإقرار موازنة موحدة للبلاد سيصرفها الكبير للحكومتين، في إشارة إلى موازنة أقرها النواب في 10 يوليو الماضي.