يثير الوضع الاقتصادي في ليبيا جدلاً واسعاً بين الخبراء والمحللين حول مستقبل البلاد المالي.
فبينما يحذر البعض من خطر الإفلاس الوشيك، يرى آخرون أن الموارد الطبيعية والاحتياطيات المالية الليبية تحول دون هذا السيناريو القاتم.
هل تتجه ليبيا نحو الإفلاس فعليا؟
بدوره، تساءل الدكتور مسعود السلامي، أستاذ العلاقات الدولية، هل تتجه ليبيا نحو الإفلاس فعليا؟!
وقال السلامى في مقال نشره موقع “ليبيا الاقتصادي”، إن النقاش والجدل كثر في الفترة الأخيرة حول الوضع المالي لليبيا واختلفت الآراء بين الخبراء والمختصين بين من يرى أن الوضع المالي للبلاد يشهد عجزا ملحوظا وتناقصا مستمرا في احتياطيات ليبيا من العملة الأجنبية، وانه إذا استمر الإنفاق المنفلت وهدر المال العام بهذا المستوى الغير مسبوق فإن ليبيا مقبلة فعليا على وضع عسير قد تصل معه إلى حالة من الإفلاس مما يدفعها إلى الاستدانة من البنوك الدولية.
بينما يرى خبراء اقتصاديون ومحللون آخرون انه رغم الوضع المالي الصعب الذي تمر به البلاد لكن ذلك لا يصل بليبيا إلى العجز وإعلان الإفلاس.
تحديات جسيمة تواجه الاقتصاد الليبي
المحذرون يشيرون إلى تحديات جسيمة تواجه الاقتصاد الليبي، منها إهدار المال العام، والفساد المستشري، وتهريب المحروقات، والأنفاق العشوائي. ويؤكدون أن استمرار هذه الممارسات قد يدفع البلاد نحو عجز مالي متصاعد وربما الاستدانة.
في المقابل، يستبعد فريق آخر من الخبراء فكرة إفلاس ليبيا، مستندين إلى ثرواتها الطبيعية الهائلة، واحتياطياتها النقدية الضخمة، وصندوقها السيادي القوي. ويرون أن الإصلاحات الاقتصادية الحكيمة كفيلة بتجاوز الأزمة الراهنة.
ويستغرب الخبراء والمختصين من الوضع المالي الذي وصلت إليه ليبيا رغم أنها تتمتع بموارد طبيعية ضخمة، واحتياطيات مالية كبيرة تزيد عن 140مليار دولار في العام 2009،كما أنها تمتلك صندوق الثروة السيادي الليبي الذي تزيد أصوله المالية عن 67مليار دولار، هذا ناهيك عن استثمارات وأموال منقولة وغير منقولة ضخمة.
وحسب هؤلاء الخبراء والمختصين أن الاقتصاد الليبي يرزح تحت وطأة أعباء ضخمة، وتشوهات كبيرة بسبب إهدار المال العام، واستنزاف الموارد والتهريب المنظم للمحروقات، والفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة، مما تسبب في تأزم الوضع المالي للدولة، والعجز في الميزان التجاري ، وارتفاع معدل التضخم، وتدني قيمة العملة المحلية أمام العملات الاجنبية.
وأضاف المقال، إن لم تُتخد إجراءات اقتصادية ومالية عاجلة وناجعة تتوافق تماما مع المعايير الدولية المنظمة لهيكلة الاقتصاد، والمنظمة أيضا للاتفاق المالي، فإن ليبيا ستشهد عجزا ماليا متصاعدا يصعب معه إعادة توازن الوضع الاقتصادي والمالي،مما قد يقودها إلى الاستدانة أو إعلان الإفلاس.
حقيقة الوضع المالي لليبيا
والسؤال: ما هي حقيقة الوضع المالي لليبيا؟ وهل ليبيا تتجه نحو الإفلاس فعليا؟ ولماذا يهدد شبح الإفلاس أغنى دولة في قارة أفريقيا؟
وأكد السلامي، أنه ربما لم يأت بجديد التقرير الصادر عن صحيفة اندبندنت حول الوضع الاقتصادي في ليبيا، والذي يشير أن ليبيا متجهة إلى الإفلاس في حال بقاء الوضع على ما هو عليه في استنزاف الموارد، وعدم تنويع الموارد، وعدم خلق بيئة آمنة للتنمية.
وقد سبق وأن نبه المبعوت ألأممي الأسبق غسان سلامه إلى مشكلة تردي الوضع المالي للبلاد عندما قال أن الصراع في ليبيا يدور حول المال،وأن النظام برمته يقوم على الفساد ونهب ثروات ،وأن استمرار هذا الوضع سيصل بالبلاد إلى الإفلاس. كما أن التقرير الصادر عن البنك الدولي في العام 2017 أكد من انه إذا استمر سباق الصراع والانفلات الأمني والمعدل الحالي للاتفاق فإن ذلك سيقود ليبيا في نهاية المطاف إلى الإفلاس.
وحسب وزير الاقتصاد الأسبق سلامه الغويل أن تأخر خطوة الإفلاس لا يعني عدم وقوعها، خاصة في ظل تمسك الحكومة بنفس السياسة الفاشلة”.
وحسب الخبير الاقتصادي محمد السنوسي ان استمرار اتحاد القرارات الاقتصادية بناءا على المناكفات السياسية فإن ذلك سيتجه بليبيا نحو الإفلاس، وأن ليبيا لن تكون قادرة على الإيفاء بالتزاماتها، وأن الوضع يسير بسرعة نحو الأسوأ، وأن بداية إفلاس ليبيا ستظهر مع العام 2026 خاصة إذا حدث انخفاض كبير في أسعار النفط.
ورغم الاختلاف في التقييم، يتفق الجميع على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتفادي تدهور الوضع.
وتشمل هذه الإجراءات إعادة هيكلة القطاع العام، تنويع مصادر الدخل، تطوير القطاع المصرفي، ترشيد الإنفاق، ومكافحة الفساد بحزم.
خطوات لتفادي شبح الإفلاس
وأشار إلى انه صحيح أن ليبيا ليست مقبلة على الإفلاس في الوقت الحاضر خاصة مع وجود احتياطيات مالية، وارتفاع أسعار النفط في الوقت الحالي ولكن ذلك لا يعني عدم التحوط لمنع حدوثه، خاصة في ظل الهزات المتوقعة لأسعار النفط العالمية، وفي ظل استمرار انقسام المؤسسات ، وتجدر الفساد ونهب المال العام.
واختتم مقاله بأنه لابد أن تبدأ هذه الخطوات من ضرورة إعادة هيكلة القطاع العام، وإدماج الاقتصاد الوطني في الاقتصاد العالمي، وتنويع مصادر الدخل القومي، وإيجاد مصادر دخل بديلة عن النفط، والعمل على تطوير القطاع المصرفي العام والخاص، وتخفيف القيود المفروضة على عمله، وإنهاء الانقسام المؤسساتي، وترشيد الإنفاق العام، وإنهاء الإنفاق الموازي، ومحاربة الفساد الذي استوطن كل مؤسسات الدولة، والإفلاس رغم أنه ليس قريبا وقد لا يحدث في السنوات القريبة، ولكنه يظل خطرا يجب التنبه له ومنع حدوثه.